روابط للدخول

خبر عاجل

حلقة جديدة


خالد القشطيني

حلقة جديدة من برنامج أيام الخير الذي يعده ويقدمه الكاتب العراقي خالد القشطيني يحدثنا فيها عن..

كانت دنيا الصحافة دنيا شجون وهموم، و حياتها محفوفة بالخسائر و المخاطر. لم يكن عدد القراء كبيرا و اعتادوا ايضا على كراء الجرائد في المقهى بدلا من شرائها. بأربع فلوس تقرا كل الجرايد. و لم تكن الدولة تدفع اي معونات للصحافيين. و كان اصحاب الجرائد يعملون منية عليك اذا نشروا لك مقالتك، ناهيك عن دفع اجرة لك عنها. هكذا كانت تفعل جريدة البلاد عندما كانت تنشر عمودي، " فلافل الاربعاء." و عندما طالبتهم بأجرة فيما بعد ، قالوا سندفع لك اذا ظهر ان مقالاتك زادت مبيعا ت الجريدة. فرحت اكد ذهني لأبدع في الكتابة و اشجع الناس على قرائتها و شراء البلاد ، عسى و لعل ترتفع مبيعاتها فيدفعون لي شيئا منها. يعني كانوا يريدون مني مقالات " شرط السكين." فأصبحت بدلا من ان اكون كاتبا فيها ، اصبحت بياع جرايد لها.

عانى من هذه المشكلة الشاعر الشعبي الملا عبود الكرخي. لم تحقق جريدته " الكرخ" مبيعات عالية فأصبحت في الواقع عبأ عليه. عبر عن محنته هذه في عدة قصائد فقال:
يكون اعضه من وريده
اللي قال لي صدّر لك جريدة
لأن راســـي بالمصيدة
اصبح و مشــلوع قلبي

اضطر عبود الكرخي لتغطية ميزانية الجريدة و كسب لقمة عيش له و لأسرته ان يسعى للحصول على اشتراكات من موظفي الدولة و وجهاء التجار و اصحاب المال و الاعمال. اضطر الشاعر الى مناشدة الجمهور في الاشتراك بالكرخ و نشر قصيدة عصماء يقول فيها:

ارجوك تقرا هالقصيدة

و تشترك في هالجريدة
هاك خذها ادبيـــــــــة

كعب للأخبار هـــــــي
لا ترجعها علــــــــــي
و اشتراكي ارجو عيده

بيد ان من اشترى جريدة الكرخ من الجمهور لم يشتروها لما فيها من الاخبار او المقالات الادبية و انما كانوا يشترونها لما فيها من الهجاء المقذع. فأنا اعتقد ان عبود الكرخي كان من ابلغ شعراء العرب في الهجاء لا يقل كثيرا في ذلك عن جرير و الفرزدق و المتنبي. و له ابيات خلدت في ذاكرة معظم الادباء العراقيين.

اعتاد الكرخي على زيارة المدن العراقية المختلفة لجمع الاشتراكات. كان يعود الى بغداد و جيبه محملا بالدنانير و امتعته مليئة بالهدايا. تنكات دهن و اطباق قيمر و سلات عنب و نحو ذلك. و الويل لمن لم يدفع و يشترك. كان الكثير منهم يدفعون اكثر من المبلغ الرسمي للاشتراك، هدية و مساعدة منهم للشاعر الصحافي و ايضا املا في ان يقول شيئا من المديح عنهم. و كان في الأمر شيء من الابتزاز. فمن لم يدفع كان يعرض نفسه لهجاء الشاعر و قلمه المقذع. وقع في هذا المطب الصراف اليهودي في مدينة الناصرية ، سليم الصراف ، ابو اسحق. زاره عبود الكرخي ليحصل منه على اشتراك في الجريدة. و لكن ابو اسحق اعتذر و قال انه ليس من قراء الجرائد و لا يفهم الشعر اساسا. خرج الملا عبود من دكانه مكسوفا و منزعجا. فالاشتراك هو نوع من الكرم و المساعدة تدفعه سواء اكنت تقرأ الجرائد او لا، و تتذوق الشعر ام لا.

عاد الشاعر الى غرفته في الفندق و تناول القلم و الورق و كتب قصيدة مفعمة بالشتائم و القدح على سليم الصراف ابو اسحق. سلمها لأحد اصحابه املا في ان يطلعوه عليها. وهو ما فعلوه قالوا له ، ولك يا ابو اسحق انت شورطت نفسك مع الكرخي.؟ هذا كتب قصيدة باجر ينزلها بجريدته و يلعن امك و ابوك. بس يقروها الناس في الناصرية بعد ولا احد منهم يدخل دكانك.

اخذها ابو اسحق و هم بقرائتها. ما ان قرأ البيت الاول منها حتى ارتجفت فرائصه:

بالناصرية صراف هم سختجي وهم بلاف

الى آخر القصيدة من فضائع الكلام مما لا يليق لي و لا لهذه الاذاعة ان نكرره على اسماع المستمعين الكرام. و لكن ما ان قرأه صراف الناصرية ، حتى فتح كيسه و اخرج ورقتين ام عشر دنانير ، وضعهما في مظروف و بعث به فورا الى غرفة الكرخي. فتح المظروف و رأى فيه العشرين دينار . فتناول القلم ثانية و صحح القصيدة بحيث خرجت في اليوم التالي و هي تستفتح بهذا البيت البليغ:
بالناصرية صراف
خوش آدمي و عنده إنصاف!

على صلة

XS
SM
MD
LG