روابط للدخول

خبر عاجل

مقاضاة الحكام المستبدين دائما طويلة ومحاكمة صدام ليست استثناء


فارس عمر

بدأت محاكمة الرئيس اليوغسلافي السابق سلوبودان ميلوسيفيتش منذ حوالي اربع سنوات وما زالت مستمرة دون نهاية تلوح في الأفق. ومحاكمة الرئيس السابق صدام حسين أثارت ببدايتها البطيئة مخاوف من انها هي الاخرى يمكن ان تكون امتحانا لصبر العراقيين ، وخاصة ضحايا النظام السابق منهم ، الذين يُريدون أن يروا تطبيق العدالة في زمن حياتهم قبل ابنائهم. ولا بد من الاقرار بان محاكمة الطغاة من رؤساء الدول السابقين ليست مهمة هينة بل تنطوي على الكثير من التعقيد والتفاصيل الاجرائية والتقنية العصية على الفهم لغير المتخصصين. ولكن تقديم حكام سابقين الى العدالة يُعتبر بحد ذاته تطورا عميق المغزى في عالم اليوم. فقبل عشر سنوات لا أكثر كانت محاكمة رؤساء الدول والحكومات مسألة بالكاد تتعدى نطاق الابحاث الاكاديمية والدراسات النظرية. واليوم هناك قضايا مماثلة لقضية صدام تمتد محاكماتها من افريقيا واوروبا الى الشرق الأوسط واميركا اللاتينية.
جون جونز محامي بريطاني مجال اختصاصه القانون الدولي وارتبط عمله بقضايا جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية في لاهاي.
ويقول جونز "ان تقدما تحقق بكل تأكيد خلال العقد الماضي أو نحو ذلك. فلقد أُنشئت أولا المحكمتان الخاصتان بيوغسلافيا السابقة ورواندا. وهناك الآن المحكمة الجنائية الدولية الدائمة في لاهاي ، ثم هيئات وطنية ودولية مختَلَطة مثل المحكمة الخاصة بسيراليون ومحاكم في تيمور الشرقية وكمبوديا ايضا. لذا كانت هناك زيادة في هذه المحاكم التي هدفها التوثق من ان الجرائم الدولية الخطيرة لا تكون بمنأى من العقاب".
ولكن انشاء محاكم شيء وتطبيق العدالة شيء آخر. فالعدالة كثيرا ما تبقى بعيدة المنال رغم تعاظم الجهود الدولية في الآونة الأخيرة لضمان إحقاق العدل. ولعل أسرع قضية شهدتها السنوات الأخيرة هي قضية رئيس وزراء رواندا السابق جان كامباندا الذي أُلقي القبض عليه في عام 1997. وفي عام 2000 أدانته محكمة شكلتها الامم المتحدة بارتكاب جرائم ابادة خلال المجازر التي حدثت في بلده عام 1994.
ولكن غلق ملف رواندا يشكل حالة متميزة ، على النقيض من جهود قانونية اخرى لم تثمر حكما عادلا حتى الآن. فبعد اربع سنوات ما زالت محاكمة الرئيس اليوغسلافي السابق ميلوسيفيتش مستمرة في لاهاي. ومحاكمة صدام حسين تبدو متعثرة حتى انها اثارت مخاوف من استمرارها أجلا غير مسمى رغم وفرة الأدلة ضده.
ويرى خبير القانون الدولي جونز ان العقبة الرئيسية في محاكمة صدام هي ما يُسمى بلغة القانون "عبء الإثبات". ويوضح الحقوقي البريطاني ان مفهوم المسؤولية التي تتحملها القيادة مفهوم يحظى الآن بقبول واسع. ولكن ما يبقى صعبا ويحتاج الى وقت طويل هو اقامة الدليل على مسؤولية قيادي في الحكم عن جرائم ارتكبها أفراد أمن في أقبية المخابرات أو عناصر عسكرية في الميدان.
"وهذا ، من جهة ثانية ، مفهوم تماماً لأنه يتعلق بأحداثٍ وقعت خلال فترةٍ طويلة من الزمن في الكثير من المناطق وفي مواقع شتى إقْتُرِفَت فيها كلُ صنوفِ الجرائم التي ارتبط بها أشخاص من كلِ نمط ، سواء كانوا ضحايا أو مرتكبين. ويصحُ هذا بالاخص على جرائم تتعلق بمسؤولية القيادة حيثُ يُفتَرَض إن المتَّهم كان مسؤولا عن أجهزة أو وحدات عسكرية مختلفة. ولكم ان تتصوروا حجم الأدلة الوثائقية وغيرها من البيِّنات الاخرى التي تُقدَّم في المحكمة فهو حجم ضخم قطعاً" ، بحسب الخبير القانوني جونز.
ومحاكمة صدام تواجه عبء توثيق الأدلة التي تؤكد مسؤوليته في قتل مئة وثمانية واربعين مواطنا من اهالي الدجيل حيث تعرض صدام الى محاولة اغتيال في عام 1982. كما تواجه محاكمة صدام عقبتين اخريين مألوفتين في مثل هذه المحاكمات. العقبة الاولى ضمان حقوق المتهم.
والعقبة الثانية هي الطعن في شرعية المحكمة.
محامو صدام اشاروا الى ان المحكمة غير شرعية لأنها شُكلت في ظل الاحتلال الاميركي وليس بقرار من حكومة عراقية ذات سيادة. روود برودي محام يعمل في برنامج العدالة الدولية لمنظمة مراقبة حقوق الانسان "هيومان رايتس ووتش" وهو يقول
"ان الجرائم المنسوبة الى صدام جرائم خطيرة للغاية. والأدلة ضده أدلة قوية جدا جدا. ويمكن للمحاكمة ان توفر فرصة رائعة لاطلاع العالم على حقيقة ما ارتكبه نظامُه من جرائم. ولكن بسبب الطريقة التي شُكلت بها المحكمة وبسبب ما يُعَدُّ غياب الاستقلالية فان صدام يوظف كل ذلك لصالحه".
القاضي الجديد رؤوف عبد الرحمن حاول في جلسة يوم الاحد ان يمنع مثل هذا التوظيف وأمر في النهاية باخراج صدام من المحكمة.
صدام ليس الدكتاتور الوحيد الذي تلاحقه يد العدالة. ولكن تطبيق العدالة بحقه قد يستغرق زمنا أطول من تطبيقها بحق أضرابه من الحكام السابقين. ففي اميركا اللاتينية اتُخذت اجراءات قانونية لمقاضاة دكتاتور شيلي السابق الجنرال اوغستو بينوشيه والرئيس البيروفي السابق البرتو فوجيموري. وفي افريقيا تتحرك منظمات للدفاع عن حقوق الانسان من اجل ملاحقة دكتاتور ليبيريا السابق تشارلس تيلور وحاكم تشاد الأسبق حسين هبري. ويأمل العالم بأن تكون محاسبة هؤلاء درسا يتعظ به آخرون ما زالوا يتحكمون بمصائر ملايين البشر.

على صلة

XS
SM
MD
LG