روابط للدخول

خبر عاجل

لا احصل على حقوقي بسبب لون بشرتي ! تمييز عرقي أم مبالغة؟


يا حلو يا اسمر، اه منك يا الأسمر، غاوي الأسمر أنا ، احبك والله يالاسمر ، اه يا اسمر اللون حياتي يالاسمراني ... وغيرها من الأغاني العراقية القديمة والحديثة تغنت و تتغنى بجمال الاسمر وهذا طبيعي في بلد النسبة الأكبر من مواطنيه هم من السمر. لكن ما علاقة هذا كله وحقوق الإنسان؟ الجواب على ذلك هو شعور البعض بوجود نوع من التمييز العنصري خاصة ذوي البشرة الداكنة او السوداء (العراقيون من أصول افريقية) الذين أشاروا في مناسبات عدة الى إنهم شريحة مضطهدة ولابد ان يغير المجتمع من نظرته وتعامله معهم وان يمنحون كافة الحقوق والامتيازات التي يتمتع بها بقية المواطنين. قد يستغرب المستمع ويقول ان لا وجود للتمييز العنصري في بلد هو عبارة عن فسيفساء تجمع أطيافا وفئات وألوانا وأعراقا مختلفة متداخلة مع بعضها البعض وبالتالي ان من يطلق هذه الاتهامات، لاسيما الآن وما يمر به العراق من عنف طائفي هدفه الإساءة إلى العراقيين ويحمل مشروع تفرقة وشقاق وإشعال نار الطائفية التي تحاول كل الجهات إخمادها.

إذا البعض يستهزأ من هذه الموضوع وحتى ذوو البشرة الداكنة كان لدى عدد منهم تحفظات حول تلك الاتهامات ولكن آخرين يعتبرونه موضوعا مهما لابد من تسليط الضوء عليه، وفعلا بدأت جهات إعلامية عديدة تتحدث عن هذه الشريحة وقصة هذا التمييز العنصري خاصة بعد ان شكلت مجموعة منهم في محافظة البصرة منتصف عام 2008 تجمعا أطلق عليه (حركة العراقيين الحرة) لطرح مرشحين في انتخابات مجالس المحافظات. وقال أمين سر الحركة (جلال ذياب ثجيل) في مؤتمر صحفي آنذاك أن العراقيين من أصول افريقية يعانون من الإهمال والفقر والتهميش والأمية وليس لهم أي تمثيل في المجالس المحلية والبلدية والبرلمان وان محنتهم كبيرة لعدم انتمائهم إلى أي عشيرة او قبيلة إضافة إلى كثرة الإشارة إليهم بتعبيرات ساخرة (نسبة الى استخدام البعض لحد الان كلمة زنجي او عبد). ثجيل طالب أن يعتبر ذوو البشرة الداكنة أقلية حيث أكد ان عددهم لا يقل عن المليوني شخص يوجد حوالي 300 ألف منهم على الأقل في محافظة البصرة بالرغم من عدم وجود أي إحصائيات دقيقة تؤكد هذه الأرقام وبالتالي ان يتم التعامل معهم مثل بقية الأقليات في العراق التي يحمي الدستور العراقي حقوقها.
وجود العراقيين من أصول افريقية يعود إلى القرن التاسع عندما كان يجلب العديد من مواطني شرق أفريقيا إلى البصرة ليكونوا عبيدا او العمل في الزراعة وبناء المدينة إضافة إلى مهن أخرى وصفت بالحقيرة ما أثار مشاعر الغضب لدى هؤلاء واندلع تمرد في البصرة أطلق عليه ثورة الزنج سحقت لاحقا , ومنذ ذاك الوقت يؤكد العديد من ذوى البشرة الداكنة ان المجتمع لحد الان يتعامل معهم على إنهم خدم وعبيد حيث مازالت كلمة (زنجي) او (عبد) موجودة ومتداولة بين الناس خاصة في بعض الطرائف الشعبية ولكن الجميع يؤكد ان تداولها ليس بقصد الاهانة بقدر ما هو تعبير لوصف شخص اسود. أما الطرف الآخر فيشير إلى أن لهذه المسألة أبعادا أخرى حيث أكد (جلال ذياب ثجيل) أمين سر حركة العراقيين الحرة ان عليك ان تكون اسود لتعرف ما يجري.
اذا لنستمع الى كل هذه الآراء في التحقيق الذي أجراه مراسل الإذاعة في محافظة البصرة (ربيع البصري) .....

على مدى العقود القليلة الماضية لم يكن الحديث عن التمييز العنصري شائعا في محافظة البصرة التي شهدت في العام الماضي الإعلان عن تأسيس حركة العراقيين الحرة وهي جهة سياسية مغلقة تنظيمياً على المواطنين ذوي البشرة السوداء وقد أثار الظهور المفاجئ لهذه الحركة موجة من الاستياء والامتعاض على الصعيدين السياسي والاجتماعي وصلت حد السخرية من قبل بعض السياسيين الذين قال بعضهم ان هذه الحركة تحاول تفجير ثورة زنج ثانية في القرن الحادي والعشرين بينما اتهم بعضهم الآخر القائمين على الحركة بإثارة العنصرية في الوقت الذي يسعى فيه العراقيون الى تخطي الانقسامات الطائفية لكن أمين سر الحركة جلال ذياب اعتبر تلك الاتهامات جزءا من التمييز العنصري المتجذر في المجتمع العراقي وقال في حديث لإذاعة العراق الحر ان المواطنين السود في العراق يعانون من أوضاع سيئة بسبب لون بشرتهم وأصولهم الافريقية

جلال ذياب "السود يمثلون أكبر شريحة اجتماعية في العراق بعد العرب والكرد ويزيد تعدادهم على مليوني نسمة ويتركز تواجدهم في محافظة البصرة ومن بعدها ذي قار وميسان فضلاً عن العاصمة بغداد ولكن لحد الان لم ينصفهم أحد والانسان الاسود لم يأخذ حقه الطبيعي وبالنسبة الى الحركة نحن لا ندعو الى العنصرية بل نريد ان نحرر الانسان الاسود من آثار العبودية ونظرة المجتمع الدونية له لاننا نشعر باننا أقل قيمة من أصحاب البشرة البيضاء وعليه نحن لا نروج للعنصرية بل نحن حركة تحررية نحاول من خلالها رفع الحيف والمظلومية عن الانسان الاسود الذي تقوقع على العبودية وعليه نحن نبذل كل ما بوسعنا من أجل جعل الإنسان الاسود في العراق واعياً ومثقفاً
ربيع البصري : انت تتحدث عن اصلاحات اجتماعية وتأهيل نفسي في حين انكم حركة سياسية!

نحن لسنا مجرد حركة سياسية فقط وانما حركة اجتماعية وسياسية في آن واحد لانه من الصعب احداث اي تغيير او تحول اجتماعي ما لم نتمكن من ممارسة نشاط سياسي من شأنه رفع صوت الانسان الاسود للمطالبة بحقوقه المفقودة ومن هنا جاء تأسيس الحركة التي تعنى ببناء شخصية الانسان الاسود لاننا نشعر بالظلم والتهميش والآخرون يدركون جيدا المعانات التي نكابدها من جراء التمييز العنصري الذي مايزال قائما لكنهم يكابرون ولا يعترفون بذلك"

وبحسب ذياب فأن الاعراف التي ينطوي عليها النظام العشائري السائد في جنوب العراق تعيق الى حد كبير انعتاق المواطنين أصحاب البشرة السوداء من القيود الاجتماعية والفكرية والاقتصادية التي فرضت عليهم قبل مئات السنين

جلال ذياب "ارتباط الانسان الاسود بالعشيرة والقبيلة ارتباط هامشي وليس جذريا ويتمثل بعلاقة الخادم بالسيد او الخادم بالمخدوم الى درجة ان الانسان الاسود لايسمح له بالجلوس في مقدمة او وسط الديوان العشائري حيث كان يقام على الانسان الاسود حد القيمومة وبذلك تسلب ارادته ويفقد قدرته على اتخاذ القرارات الشخصية وكان الانسان الاسود يعمل ما لايقل عن 18 ساعة في اليوم ويعطى أجورا لاتسد حتى رمقه وفي نهاية كل اليوم كان عليه الحضور الى الديوان العشائري لخدمة شيخ العشيرة والذي يتخلف عن الحضور يعاقب بقسوة من قبل شيخ العشيرة او من ينوب عنه وهذه الصورة التي يشهد عليها التاريخ أثقلت كاهل الانسان الاسود في الوقت الحاضر وجعلت منه انسانا ضعيفا وعلى مستوى التعليم كان لايسمح للسود بأكمال دراستهم ولغاية عام 1924م كان الكثير من المواطنين السود ينعتون بـ"العبيد" في بطاقة الاحوال المدنية

هذا في السابق ماذا عن الآن؟ لحد الآن كلمة العبيد تقترن بالانسان الأسود ومهما بلغ مستواه الثقافي والتعليمي مازال الانسان الاسود يواجه صعوبة في الحياة حتى لدى محاولته الزواج من الانسانة التي يرغب بها لذلك الانسان الاسود بقي مهمشا وهناك أسر ذات اصول افريقية تقطن في مناطق الارياف لحد الان لايسمح لها بزراعة النخيل لان المعتقدات العشائرية تعطي الحق للمزارعين باستملاك جزء من الارض عند زراعتها بالنخيل وحتى عهد قريب كان لايسمح للسود بالسكن بالقرب من بيوت شيوخ العشائر حيث هناك نزل خاص يسمى بـ"نزل العبيد" وحتى عند حدوث فيضانات لايسمح لهم بمغادرته

هذا الكلام عندما كانت البصرة تشهدُ فيضانات لكنها تعاني من الجفاف منذ عدة سنوات بمعنى الآخر هناك فارق كبير بين الماضي والحاضر! ليس هناك فرق كبير بين الماضي والحاضر بالنسبة الى السود بدليل ان احدى الاسر التي تنتمي الى شريحة السود قامت في العام الماضي بالسكن في قطعة ارض خالية من اية مزروعات وحاولت هذه الاسرة استصلاح الارض وزراعة أشجار النخيل فيها لكن صاحب الارض رفض ذلك بشدة وهذا مايبرر استيطان بعض الاسر للمقابر بعد ان منعت من السكن في البساتين والاراضي الزراعية"

لا تشتري العبد الا والعصى معه ان العبيد لانجاس مناكيد..هذا البيت من الشعر الذي جاء ضمن سياق قصيدة للشاعر للتنبي مازال يحز في نفوس المواطنين السود في العراق وما يعمق هذا الشعور لديهم هو ادراج هذه القصيدة ضمن المناهج الدراسية الأمر الذي دفع بحركة العراقيين الحرة الى المطالبة باعادة النظر بتلك المناهج وتطهيرها من أية اشارات تنتقص من المواطنين ذوي البشرة السوداء

جلال ذياب "من أبرز المطالب التي تنادي بها حركة العراقيين الحرة وتناضل من أجل تحقيقها اعتبار السود اقلية من اقليات المجتمع العراقية والاعتراف بان السود يمثلون شريحة مضطهدة وحث الحكومة العراقية ومجلس النواب بتشريع قوانين تكافح التمييز العنصري وتعاقب على الصاق واقعة العبودية بالانسان الاسود والحكم على مرتكبي جرائم القذف من هذا النوع والاعتذار للسود عن جرائم استرقاقهم عبر التاريخ علاوة على تضمنين المناهج الدراسية ما يفند الافكار والمزاعم التي تروج لفلسفة استعباد الانسان لاخيه الانسان لان لا تزال لغاية الان هناك مناهج دراسية تحتوي على مواد تسيء الى الانسان الاسود ومنها قصيدة للشاعر المتنبي وهذه القصيدة من مقررات الدراسة المتوسطة وهي تكرس النظرة الدونية للانسان الاسود كما نطالب بعدم عرض الافلام السينمائية التي تصور الانسان الاسود على انه عبد بالفطرة ونؤكد على ضرورة محاسبة مروجيها ومعاقبتهم وأيضا نؤكد على ضرورة ان تقوم الحكومة بتمكين شريحة السود من ناحية اقتصادية وتعويضهم بما يضمن لهم العيش الكريم"

الاعلامي عارف محمد انتقد الخطاب السياسي الذي تتبناه حركة العراقيين الحرة واتهمها من دون ان يسمها بالسعي للحصول على مكاسب سياسية من خلال المتاجرة بالمظلومية التي عانى من وطأتها المواطنون السود قبل عشرات السنين وقال ان العبودية قد أصبحت شيئا من التاريخ وان العنصرية لا حيز لها من الواقع

عارف محمد "المواطن العراقي بعيد كل البعد عن العنصرية لكن هناك جهة سياسية تأسست في العام الماضي هي التي تروج للعنصرية والقائمين على هذه الحركة يحاولون تكريس العنصرية في المجتمع بطريقة تسيء الى السود انفسهم وكل ذلك من أجل تبوء مناصب سياسية لكن الواقع يشير الى ان السود يتمتعون بحقوق متساوية مع البيض وانا كمواطن ليس لدي اي شعور يهين كرامة المواطن الاسود

لكن كلمة عبد نسمعها بين الحين والآخر؟ هذه الكلمة عادة ما تستخدم للمزاح والفكاهة وانها أصبحت من الفلكور العراقي علما بان العبيد لايقصد بهم السود فقط والدليل على ذلك ان العبيد كان يأتى بهم أيضا من ايران وافغانستان وباكستان وهؤلاء بشرتهم صفراء وبيضاء في الغالب وليست سوداء لكن نظرا لان السود من أصول افريقية ولون بشرتهم سوداء أصبحت كلمة العبيد تقترن بهم وانها لا تستخدم في الوقت الحاضر بدافع الاهانة او الاساءة وانما ضمن اطار الدعابة والمزاح

لكنها تثير انزعاجهم؟ لا اعتقد ذلك لانهم عراقيين بالدرجة الاولى وبمرور الزمن اعتادوا على سماع هذه الكلمة وان كان بعضهم يعتقد بان نطقها يهدف الى التقليل من شأنهم حينها من حقهم الاعتراض والاحتجاج"

في قضاء الزبير الواقع غرب محافظة البصرة يقطن المئات من المواطنين أصحاب البشرة السوداء الذين يعيش غالبيتهم تحت خط الفقر في ظل أوضاع ملؤها البؤس والشقاء وحتى الذين تخطوا حاجز البطالة منهم فأنهم يعملون في مهن بسيطة ذات طابع حرفي لكن هذا لايعني خلو بعض الدوائر الحكومية في المحافظة من موظفين كبار هم من أصول افريقية وبحسب الكاتب والمحلل السياسي رشيد الفهد فأن انعاش الوضع الاقتصادي لشريحة المواطنين السود كفيل بحل مشاكلهم التي قال انها تولدت نتيجة ظروفهم الاقتصادية الصعبة وليس بسبب لون بشرتهم أو على اثر اصولهم الافريقية

رشيد الفهد "بالنسبة الى موضوع السود في محافظة البصرة تحديدا وفي العراق بشكل عام اود ان اشير الى ان التمييز العنصري بحقهم من قبل البيض هو جزء من الثقافة الشعبية لانه عندما كان النظام الاقطاعي يسيطر على الريف العراقي كان السود اليد الضاربة للاقطاع حيث ان الاقطاعي اذا اراد ان يعذب أحد يكلف احد السود بتعذيبه وان اراد ان يهجر أحد مزارعين يقوم بذلك من خلال تكليف احد السود ثم انتقلت ثقافة التمييز العنصري الى المدن وهي ثقافة هابطة وشعبية وانها موجودة على المستوى الجماهيري لكنها غير موجودة لدى النخب رغم ان معالمها ماتزال واضحة في المجتمع العراقي ومن الممكن اكتشافها بسهولة والامر المهم انه لم تحدث حالات ثأر بعد انهيار النظام الاقطاعي وهناك تجربتان أبرزها تجربة جنوب افريقيا حيث كان التمييز العنصري يأتي من البيض لكن في العراق التمييز جاء من السود انفسهم حيث كانوا يهجرون المزارع الابيض ويعذبون المواطن الابيض لكن في جنوب افريقيا التسامح جاء من قبل السود لدى تغلبهم على النظام العنصري اما في العراق فقد كانت التجربة معاكسة تماماً وان عدم وقوع حوادث ثأر وانتقام بعد انهيار النظام الاقطاعي يعكس حقيقة مفادها ان الشعب العراقي بطبيعته شعب مسامح يرفض سياسة الثأر والانتقام والحقيقة المؤكدة ان معظم السود في العراق يعيشون تحت خط الفقر وعندما نذهب الى منازل السود في قضاء الزبير أو في منطقة البصرة القديمة سوف يكون حجم الفقر والشقاء والعوز واضحاً وعليه يفترض ان تكون هناك برامج خاصة بالمواطنين السود لا تنفذ على اساس عنصري وانما تكون ذات أهداف اقتصادية تقضي بتحسين اوضاعهم المعيشية حتى يشعروا بآدميتهم شأنهم شأن الفقراء البيض وللأسف كثر الحديث مؤخرا عن العنصرية والتمييز العرقي لكن لايجري الحديث عن تخليص هذه الشريحة من الفقر المتقع الذي يعانون منه"

أقامت (حركة العراقيين الحرة) احتفالية بمناسبة تنصيب باراك اوباما رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية معتبرة انه استطاع هدم جدار العنصرية وتمنت الحركة ان لا تنحصر نقطة التحول هذه في أمريكا بل أن تشمل العراق أيضا , حيث طالبت الحركة منذ تأسيسها باعتراف الحكومة العراقية بهذه الشريحة كأقلية وتقديم اعتذار لها عن فترة العبودية وفرض قوانين جديدة تكافح التمييز العرقي , في حين انتقد البعض أفكار هذه الحركة متهما إياها باستيراد العنصرية الأمريكية والترويج لها في العراق.


عقود من الاضطهاد والقمع مع غياب ابسط الحقوق وانتهاكات يتعرض لها المواطن إلى يومنا هذا وجهود المنظمات الأهلية والمؤسسات الحكومية في تثقيف المجتمع وتوعيته والدفاع عن حقوقه.. حقوق الإنسان في العراق يسلط الضوء على هذه المواضيع من خلال المقابلات التي يجريها مع مختصين ومسؤولين ومواطنين.

على صلة

XS
SM
MD
LG