روابط للدخول

خبر عاجل

شاعر بصري يفترش الرصيف وطفل يلتهمه حيوان في بابل


الشاعر البصري سعدون البهادلي
الشاعر البصري سعدون البهادلي
تزور عين ثالثة اليوم مكانين احدهما البصرة والآخر بابل..
في البصرة سنلتقي شاعرا غدر به الزمان فأصبح يبيع الملابس على الرصيف.. وفي بابل سنتابع قصة مقتل طفل بين براثن حيوان مفترس..

أبدأ أولا بالبصرة، فهنا شاعر ولد في تراب البصرة وقاعها وتواصل مع هذه المدينة العريقة وعشقها ثم كتب فيها وفي العراق شعرا جميلا قدره الكثيرون وتغنوا بروعته، غير أن الزمان كان قاسيا مع هذا الرجل، واسمه سعدون البهادلي، وهو شاعر مبدع عانى في الشعر وفي الحياة وتحول إلى بائع للملابس كي يتمكن من الاستمرار في الحياة..
يروي قصة سعدون البهادلي، عبد الكريم العامري من البصرة:

(((في ركن غير بعيد عن القاعة التي ينظم فيها كل عام مهرجان المربد الشعري يفترش شاعر عراقي الرصيف ليبيع قمصانا وبنطلونات وكأنه يريد ان يستر مجتمعاً لم يبادر الى ستر عائلته وتلبية احتياجاتها.. هذا الرجل يجلس صامتاً مسلماً بما كتبه الله له، غير قادر على دفع مطالبات افراد الشرطة باخلاء المكان، ومتحملا كل اهانات السوق ليصبها بعد حين في اوراقه قصائد تشكي لوعته في زمن لم ينصفه.
بالرغم من ان صداقتي معه تمتد الى اكثر من ثلاثة عقود الا انني لم استطع ان افتح معه حديثاً عن معاناته.
قال لي وهو يضع ساقه الاصطناعية جانباً وقد أخذ منه مرض السكري مأخذاً: "أنا راضٍ بقسمتي فهل يرضى المتنفذون بوضعي..؟"

سعدون البهادلي مع كاتب المقال
سعدون البهادلي مع كاتب المقال
​هذا الشاعر، الذي احتفي به خارج العراق ولم يتذكره احد في بلده ونشرت له موسوعة البابطين للشعر العربي اغلب قصائده قدم نفسه لمستمعي برنامج عين ثالثة قائلا:
"انا سعدون البهادلي من مواليد 1955 اسكن منطقة الجمهورية وأنا عضو اتحاد الادباء والكتاب العرب وعضو اتحاد الادباء العراقيين وعائلتي مكونة من 7 افراد ويسعدني اني استطعت ان اصل باولادي وبناتي الى مراحل دراسية متقدمة حيث ان ابنتي وديان تخرجت مدرسة رياضيات وولدي حيدر تخرج ايضا من كلية التربية واثنتان من بناتي سيدخلن الجامعة هذا العام وانا سعيد جداً بهم جميعا".
يقول البهادلي ان معاناته لم يمر بها أي أديب عراقي فهو لا يحتاج لاي جهة رسميه وعزاؤه بمن وقف من زملائه الادباء معه وشعر بمعاناته.

البهادلي الخارج من قاع مدينة البصرة لم تستطع الظروف القاهرة ان تحني ظهره حيث تعرضت عائلته للمطاردة بعد انتفاضة عام 1999 وسجن مع ثلاثة من اشقائه واعدم شقيقه ليث في 18 نيسان 1999 وهدمت داره وسلب اثاثه.
وما يؤلم البهادلي ان نتاجه الادبي مازال مخطوطاً ولا تتوفر لديه الامكانيات المادية لطبعه..وبين يديه الان 4 دواوين شعر ودراسة عروضية كبيرة وله ترجمة في معجم البابطين للشعراء العرب المعاصرين وتمت مفاتحته من قبل عدة مؤسسات ثقافية خارج العراقي منها مؤسسة الخوئي في لندن ومؤسسة الماجد بدولة الامارات العربية الا ان ظروف المراسلات في زمن النظام السابق كانت صعبة جدا في ظل الحصار الحكومي عليه آنذاك فلم يستطع التواصل معهم.
وضع البهادلي قدمه الاصطناعية أمامه ثم تأوه مترنماً ببعض الابيات الشعرية التي يناجي بها ساقه المبتورة:
"ما زال خطب الموت فوق رمادها
والذنب ذنب الحاكمين فنامي
اذنت عقاربها ونأى بي الهوى
وعقاربي سود العيون ضوامي
هي معبر للريح شط مزاره
ومزارها يوم الطفوف أمامي
متنفس للريح بات مغاليا
والموت دون المنخرين زؤام"

ولم يخف البهادلي امتعاضه من الوضع الثقافي الذي تعيشه البصرة وشعوره وعدد من زملائه بالتهميش من قبل المؤسسة الثقافية واشار الى ان بعضهم يتخذ التسقيط وسيلة لابعاد الاخرين حيث اتهمت باني كنت في منصب فريق ركن في الوقت الذي قضيت فيه عسكريتي جنديا في القوة البحرية.

ويوجه البهادلي نداءاً من بسطته المطلة على قاعة عتبة بن غزوان للنشاطات الثقافية مشدداً على ان الثقافة ابداع وليس مجرد اسماء وهويات انتماء لهذا الاتحاد او ذاك.

ويستأنس الشاعر سعدون البهادلي ببسطته التي فسحت المجال أمامه ليلتقي بزملائه الادباء فهو يرى فيها الفرصة الوحيدة للالتقاء بالناس بعدما انقطعت صلته بالمهرجانات الشعرية منذ وقت طويل.

ويستذكر شقيقه الشهيد ليث البهادلي بقصيدة عنوانها (الشهادة في مملكة الفقراء) وتوقف كثيراً قبل أن يقرأ ابياتاً منها ثم ما لبث ان قال:
" كريم القوم اتعبني الخطاب
فلا باب يدق ولا جواب
شفيعي والديار اليك حنت
وربك ما استقام بها الخراب
رثيتك مؤنسا وجليس همي
فمال الحمل واشتغل الضراب
تفردك الحمام وانت غض
كطود لا يشيب ولا يشاب
فيا حصن العشيرة نم قليلا
فنومك باطل، هتك الحجاب
ويا سر المقابر حين تغفو
تلوذ بها المحارم والكلاب"

وأخيراً بعث البهادلي تحاياه لاسرة برنامج عين ثالثة ولاذاعة العراق الحر مشيراً الى انه من المستمعين للبرنامج ويجد ضالته في برامج الاذاعة.
XS
SM
MD
LG