روابط للدخول

خبر عاجل

حرب بلا نهاية في ذكرى هجمات 11 أيلول


روبرت بيرازا يبكي عند إسم إبنه ديفيد في موقع تخليد ضحايا هجمات 11 أيلول بنيويورك
روبرت بيرازا يبكي عند إسم إبنه ديفيد في موقع تخليد ضحايا هجمات 11 أيلول بنيويورك
في عام 2011 تم إحياء الذكرى العاشرة للهجمات الإرهابية في 11 أيلول على خلفية أنباء القضاء على الرأس المدبر الذي وقف وراءها، اذ تمكنت القوات الأميركية من قتل أسامة بن لادن، وكان صدام حسين ونظامه قد انتقلا إلى ذاكرة التاريخ، فيما أعرب الربيع العربي عن نبذه البليغ للعنف الجهادي، كما تراجع بريق حرب الجهاد المقدس ضد الغرب.. فما هو مشهد الحرب على الإرهاب، وموقع الولايات المتحدة في العالم؟

ويقول مراسل إذاعة أوروبا الحرة في واشنطن Christian Caryl انه بالرغم من هذا كله، وبعد مرور عقد كامل من الزمن على 11 أيلول 2001، ما زال النصر الشامل فيما تسمى (الحرب على الإرهاب) مجرد سراب.. فصحيح أن الولايات المتحدة وحلفاؤها نجحوا في تسجيل نقاط مهمة، إلا أن سلسلة الأحداث التي انطلقت في ذلك اليوم المشئوم لم تبلغ نهايتها المرضية بعد.
في أفغانستان، عادت حركة طالبان التي قضى هجوم أميركي / أفغاني مشترك على سلطتها في تشرين الثاني 2001، إلى النشاط ثانية. أما حكومة الرئيس (حامد كرزاي) التي تم تنصيبها بمساعدة الولايات المتحدة في أوائل عام 2002 فقد أجرت مباحثات مع مقاتلي (الملا عمر) ترمي إلى تقاسم السلطة مع الحركة.
وفي العراق، حيث أسقط التحالف الذي قادته الولايات المتحدة في 2003 صدام حسين عن السلطة، وتراجعت حدة الحرب الأهلية التي كانت تهدد بتمزيق البلاد. غير أن وجود حكومة مستقرة وأمن لجميع مواطني البلاد ما زالت تمثل أهدافاً بعيدة المنال.
وفي الولايات المتحدة نفسها، هناك شعور بالارتياح إزاء مضي 10 سنوات دون حدوث هجوم إرهابي متعدد الضحايا، إلا أنه ممزوج بالاستياء إزاء التكاليف الاقتصادية والسياسية والفردية لحرب عالمية يتم شنها ضد عدو مبهم المعالم.

Michael Mandelbaum أستاذ العلاقات الدولية بجامعة Johns Hopkins وأحد أبرز المفكرين الأميركيين في السياسة الخارجية يقول إن أحد أهم تداعيات هجمات 11 أيلول هو كونها حرفت اهتمام القادة الأميركيين عن الأولويات الداخلية الملحة. مشيراً الى انه كان في إمكان الولايات المتحدة أن ترد على الاعتداءات بطرق كانت ستتيح لها تخصيص مواردها لإصلاح الرعاية الصحية والتعليم وتحديث بنيتها التحتية وإعداد نفسها بأشكال أخرى لمواجهة تصاعد المنافسة الاقتصادية العالمية، مضيفاً:
"أحد أهم التحديات يتمثل في حالات العجز المالي التي تعمل في ظلها الحكومة الفدرالية، وقد تفاقمت حدتها نتيجة الحربين في أفغانستان والعراق اللتين لم تُسدد تكاليفها بعد. لقد اقترضنا لتمويل هاتين الحربين، وهذه في الحقيقة هي المرة الأولى في التاريخ الأميركي التي لم تفرض فيها ضرائب إضافية لتمويل الحروب، وهو أمر مؤسف للغاية".

ويعتقد خبراء أن السنوات التالية لأحداث 11 أيلول شهدت انخفاضاً فعليا في نفوذ وهيبة الولايات المتحدة حول العالم. ويشير آخرون إلى أن الولايات المتحدة لم تزل تفخر بأكبر اقتصاد محلي في العالم حتى بعد الأزمة المالية في عام 2008، ولم يزل تفوقها العسكري دون منافس. فهذا التفوق لا يثير الاستغراب، في ضوء التوسع الهائل في آليات الأمن القومي منذ عام 2001.
وتشير تقديرات إلى أن الحكومة الأميركية أنفقت نحو 7 ترليون دولار على الدفاع القومي والأمن الوطني ووكالات الاستخبارات خلال العقد المنصرم. وجاء تأسيس (وزارة الأمن الوطني) و(إدارة الاستخبارات الوطنية) خلال السنوات التالية لـ 11 أيلول ليكون أكبر تعديل في الجهاز الفدرالي منذ الحرب العالمية الثانية.
واليوم باتت الولايات المتحدة تنفق نحو 46% من إجمالي ما ينقه العالم في المجال العسكري، فيما تضاعفت موازنة الاستخبارات خلال السنوات العشر المنصرمة، وتقدر صحيفة Washington Post تمتع نحو 864 ألف أميركي بحق الاطلاع على المعلومات فائقة السرية.

وأدى الانشغال المبرَّر لإدارة الرئيس السابق جورج بوش الابن بالحيلولة دون وقوع اعتداءات جديدة إلى جعلها تتخذ إجراءات بالغة القسوة في مجالات استجواب المعتقلين، وهي إجراءات يصفها البعض بأنها نوع من التعذيب، وفي برامج المراقبة الداخلية للمواطنين الأميركيين.
أما فاعلية تلك التدابير فما زالت تثير الجدل، ويؤكد أنصارها، مثل المسئول السابق في وزارة العدل John Yoo، الذي أصدر مذكرة في 2002 تجيز اللجوء إلى الاستجواب القاسي بأنها لعبت دوراً أساسياً في تفادي المزيد من الاعتداءات.
ويقول Yoo في افتتاحية نشرتها صحيفة Wall Street Journal ان "الحريات المدنية كانت ستتأثر بدرجة أكثر سلبية لو كانت (القاعدة) قد نجحت في تنفيذ ضربة ثانية يوم 11 أيلول. غير أن إدارة بوش تمكنت بدلاً من ذلك بتسليم بلد آمن إلى الإدارة التي تلتها".

من جهته، لا يتفق David Cole أستاذ القانون بجامعة Georgetown مع هذا الرأي، إذ يرى إن العديد من قوانين فترة ولاية بوش قلبت المبادئ الأساسية لسيادة القانون، سواء في الداخل أو على الصعيد الدولي. وقد أسهمت قرارات المحكمة العليا، وما كشفت عنه الصحافة، وردود أفعال الناخبين، في تعديل أو إلغاء العديد من الإجراءات القانونية التي دخلت حيز التنفيذ إبان عهد بوش، مضيفاً: "أعتقد أن ما تعلمناه هو أن القانون تفوّق في مرونته على ما توقعته إدارة بوش، فقد أُجبِرَت تلك الإدارة على التراجع، وتم التراجع فعلا عن جميع تلك المبادرات".
والمفارقة، بحسب Cole، هي أن إقرار إدارة بوش بأساليب الاستجواب المحرّمة سابقاً، هو تحديدا ما يحول لحد الآن دون مثول (خالد الشيخ محمد) الذي إعترف أمام القضاء بالتخطيط لهجمات 11 أيلول. فتشير التقارير الإعلامية إلى أن عناصر الاستخبارات الذين استجوبوا (خالد الشيخ محمد) استخدموا أساليب محظورة، الأمر الذي سيجعل القضاة، بالاستناد إلى مبادئ النظام القضائي الأميركي، يمنعون تقديم الأدلة المنُتزعة منه، ويضيف Cole قائلاً.
"لدى لجوئك إلى الأساليب المحظورة في الحصول على معلومات، حتى وإن لم تكن ترتقي إلى مستوى التعذيب، فإن أية معلومات تتلقاها لاحقاً ستكون متأثرة بذلك الأسلوب، ولا يجوز، بموجب أصول المحاكمات الجنائية، استخدامها بأي شكل من الأشكال في المحاكمات الجنائية".

أما إدارة الرئيس باراك أوباما فقد رفضت التفسيرات العريضة للسلطات التنفيذية كما تبنتها الإدارة السابقة، وأوقفت استخدام بعض الأساليب التي كانت تتبع إبان عهد بوش. كما تخلى أوباما عن أسلوب نقل المحتجزين إلى بلدان تجيز التعذيب، وأغلق (المواقع السوداء) في الخارج التي كان يتم فيها استجواب المحتجزين بعيداً عن الأنظار. غير أن أوباما فشل في سعيه إلى إغلاق موقع الاحتجاز المثير للجدل في خليج Guantanamo، بالرغم من نجاحه في منع إرسال محتجزين جدد إليه. وقد انضم الجمهوريون إلى الديمقراطيين في معارضة المقترحات الداعية إلى نقل بعض المحتجزين، بمن فيهم (خالد الشيخ محمد) لمحاكمتهم داخل الولايات المتحدة.
وفي الوقت نفسه بات أوباما يكثف استخدام عمليات مكافحة الإرهاب السرية من قبل وكالة الاستخبارات المركزية ونخبة وحدات مكافحة الإرهاب بوزارة الدفاع. كما عزز حملة وكالة الاستخبارات الهادفة إلى ضرب أهداف الجهاديين في مناطق باكستان القبلية بواسطة الطائرات الآلية التي يتم التحكم بها عن بعد. ويقول المعارضون لذلك إن استخدام الطائرات الآلية قد قضى على عناصر من الإرهابيين مقابل زعزعة استقرار باكستان، وتأجيج الرأي العام المناوئ لأميركا، وتعزيز قوة المتطرفين الإسلاميين.
ويؤكد المسئولون المحليون بأن 30 ألفاً من الباكستانيين قتلوا في البلاد بسبب (الحرب على الإرهاب) منذ أحداث 11 أيلول. ولا يمتلك أحد أرقاما موثقة لعدد الضحايا المدنيين في الحملات الأميركية الأخرى خلال الفترة التالية 11 أيلول في الشرق الأوسط وفي جنوب غرب آسيا، إلا أن من المؤكد أن الأرقام قد بلغت عدة عشرات الآلاف. وهؤلاء القتلى، بالإضافة إلى ما ورد من أنباء حول سوء معاملة السجناء في المعتقلات التي تديرها الولايات المتحدة في سجن (أبو غريب) سيء الصيت في العراق، ساهمت في إثارة المشاعر المعادية لأميركا حول العالم.

العديد من الأميركيين الذين سئموا عناوين الأنباء المقززة عبر عقد من الزمن باتوا يلجئون إلى تجاهل تلك التغطية لأحداث أفغانستان والعراق، ولكن هذا التجاهل لم يساهم في الحد من أعداد الضحايا، فقد بلغ عدد القتلى بين صفوف القوات المسلحة الأميركية في تلك الحربين نحو 6000 قتيل، وإصابة نحو 43 ألفا آخرين بجروح معيقة. ولكن ما من أحد يمكنه التنبؤ بموعد انتهاء القتال، خصوصا في أفغانستان التي ما زالت الولايات المتحدة ماضية في عملية نقل المسئولية عن أمن البلاد إلى حكومة كرزائي المحاصرة. أما القاعدة، أو ما تبقى منها، فيقول عنها المحللون إنها باشرت في الانتقال إلى مواقع آمنة في كل من اليمن والصومال.
فهل كان الأمر يستحق كل ذلك؟ ربما نكون على مقربة من الأحداث بدرجة تحول دون معرفة الإجابة. ويعتبر بعض المحللين أن الولايات المتحدة لم تخدم مصالحها من خلال تخصيصها تلك النسبة الكبيرة من مواردها لمطاردة القاعدة. ويقول Michael Mandelbaum الباحث بجامعة Johns Hopkins إن نهضة الصين وغيرها من الدول الآسيوية خلال العقد المنصرم تفوق في خطورتها كتحدٍ لمكانة الولايات المتحدة في العالم أي تحدٍ تشكله أحداث الشرق الأوسط، مضيفاً: "في أعقاب 11 أيلول كرسنا أنفسنا لمطاردة الخاسرين من العولمة، في الوقت الذي كان فيه التحدي الدولي الحقيقي سيأتي مستقبلاً من الرابحين. الشرق الأوسط مهم لأسباب متعددة، ولكن ليس لكونه محوراً للنمو الاقتصادي أو القوة العسكرية المحتملة. أما في شرق آسيا فتلك هي الحقيقة".

مرّ العالم بأحداث عديدة خلال السنوات العشر المنصرمة، ولكن قصة الحقبة التالية لـ 11 أيلول لم تبلغ نهايتها بعد.
XS
SM
MD
LG