روابط للدخول

خبر عاجل

العالم العربي يتخذ مساراً جديداً، ومصر في المقدمة


محتجون في مصر
محتجون في مصر
بعد عام من الاضطرابات بات العالم العربي الآن أمام مفترق طرق. فهل ستتحقق مطامح آلاف المحتجين الذين نزلوا إلى الشوارع في تونس وليبيا ومصر وسورية وغيرها للمطالبة بالحرية؟ وما هي مطامحهم؟ هل تتميز بالديمقراطية، أم أن هناك إيديولوجية سياسية جديدة تتبلور في الشرق الأوسط؟ سوف يستمر المجتمع الدولي في مراقبة العالم العربي عن كثب، مع تركيز المحللين على مصر – الدولة الأقوى تاريخيا في المنطقة – بحثا عما يشير لما هو آت.

وتقول مراسلة إذاعة أوروبا الحرة / إذاعة الحرية Kristin Deasy في تقرير ان الأستاذ الجامعي (خالد فهمي) وجد لدى خروجه من اجتماع يوم 25 كانون الثاني 2011 خمس محاولات قامت بها والدته للاتصال به عبر هاتفه المحمول، فأدرك أن شيئا ما قد حدث. بعد ذلك بدقائق كان الأكاديمي الشاب يتوجه مسرعا إلى ميدان التحرير في القاهرة، حيث كانت الشرطة تبادر إلى القبض على ابن أخيه لكونه شارك في الموجة الأولى من الاحتجاجات التي أسفرت في نهاية المطاف عن تنحي الرئيس حسني مبارك، قائلاً:
"الأمر منقوش في ذاكرتي. لقد شاهدته بنفسي، وكانت تلك أيام تاريخية حقا. كان مذهلا أن أرى – خصوصا يوم 28 كانون الثاني – بداية انهيار قوى الأمن، تلك القوى التي ظلت منذ عقود من الزمن ترهب وترعب المصريين. كانت لحظة مذهلة حين شاهدتها تتقهقر أمام الشعب، ذلك الشعب الذي اتخذ أخيرا قرار الدفاع عن كرامته ورفض الأساليب غير الإنسانية والوحشية في التعامل، تعامل الشرطة المصرية مع الشعب المصري".

الانتفاضة المصرية كانت جزءا من موجة الغليان العارمة التي اجتاحت شمال أفريقيا والشرق الأوسط في أعقاب نجاح الاحتجاجات التونسية التي اندلعت في كانون الأول عام 2010. وقد أسفر ذلك عن سقوط أنظمة الحكم في تونس وليبيا ومصر ، وما زالت الاحتجاجات المناوئة للحكومة في سوريا واليمن وفي عدد من الدول العربية مستمرة، مع اقتراب مطلع عام 2012.
ويعتبر العديد من المحللين النزاع السياسي المستمر في مصر – أكبر الدول العربية من حيث عدد السكان – شأنا محوريا. ويقول Steven Cook – مؤلف كتاب (الصراع من أجل مصر: من عبد الناصر إلى ميدان التحرير) – إن استقرار البلاد يعتر العامل الأساس، مضيفاً:
"أعتقد أن مصدر القلق – بالنظر إلى مدى أهمية مصر – هو تحوّل مسارها إلى مسار مختلف تماما، بعيدا عن الآمال الواعدة التي سادت ميدان التحرير خلال شهري كانون الثاني وشباط 2011، بأن يظهر نمط جديد من الأنظمة السياسية التسلطية، أو تشهد البلاد فترة مطولة من انعدام الاستقرار والتشويش تتخللها فترات من العنف. أعتقد أن ذلك سيكون له تأثير مدمر على مصر، بل وعلى باقي أرجاء المنطقة".

أما Ed Husain ، وهو زميل أقدم بمجلس العلاقات الخارجية – فيبدو أكثر تفاؤلا حين يقول:
"أملي الأكبر لمصر يتمثل في استمرارية المسار الذي شاهدناه في العالم العربي، أي أن الحرية والديمقراطية والتحرر وحقوق الأقليات وحقوق المسيحيين وغيرها في المنطقة، ستبقى وتستمر. فهذا هو جوهر روح الثورة".

وهناك آخرون ينسبون روحا مختلفة إلى الحماس الثوري في مصر، إذ ينسب محمد فاضل، أستاذ القانون بجامعة Toronto –الثورتين في مصر وتونس إلى تطور الفكر السياسي الإسلامي، وليس إلى المعايير الديمقراطية الغربية، ويضيف قائلاً:
"الحداثة الإسلامية تمثل – إلى حد ما – القاسم المشترك لهذه اللحظة السياسية في العالم العربي، إذ أخفقت الدول العربية – في أعقاب الحربين العالميتين الأولى والثانية حين اكتسب هذه الدول استقلالا شكليا – أخفقت في ترسيخ السياسات المناوئة للتسلط التي كانت تمثل هدف الفكر السياسي الإسلامي الحديث. هكذا، فلقد ظل العالم العربي طوال السنوات الـ50 أو الـ60 الأخيرة في حالة من (الإنجماد) فيما يتعلق بالفكر السياسي، إذ أن الشرط المسبق لتكوين دولة لبرالية يتمثل في السيطرة على سلطات الحاكم المتسلط. وبما أن ذلك لم يتحقق أبدا ، فما زال يمثل الهدف الأساسي".

ويعود محمد فاضل إلى الفكر السياسي العربي في القرن التاسع عشر لتعزيز حججه، وهو يتتبع التطور في اتجاه الإصلاح الراديكالي الذي تبناه الباحث المصري البارز (رشيد رضا) عند انتهاء الحرب العالمية الأولى.
كان رشيد رضا يدعو إلى إقامة نظام حكم إسلامي يكون في حالة وئام مع قضاء علماني، بل وكان يساند القوانين المتعارضة تماما مع الشريعة السماوية بشرط خدمتها للصالح العام. ويقول محمد فاضل في مقال نشره أخيراً "إن أنصار الإسلام الحديث مرتاحون سياسيا إزاء الحركات السياسية العلمانية بدرجة تفوق ارتياحهم إزاء الترتيبات السياسية الأخرى".
أما التمييز بين الأحزاب السياسية الإسلامية اللبرالية وتلك المتسمة بالأصولية فيكتنفه الغموض أحيانا، مع قيام التحالفات الشخصية والائتلافات السياسية المنشودة بخلط الأوراق. ففي تونس، أثار عضو بارز في الحزب الإسلامي المعتدل الحاكم ضجة في الآونة الأخيرة حين دعا إلى إحياء دولة الخلافة الإسلامية.

وتوحي الأحداث الأخيرة بأن جماعات إسلامية أخرى ربما تشكل تهديدا أكثر خطورة على المعتدلين الإسلاميين مما تشكله الجماعات العلمانية. وفي مصر، حصل ائتلاف جديد باسم (النور) بقيادة (السلفيين) – الذين يمثلون فرعا محافظا متطرفا من الإسلام الأصولي – على ربع أصوات الناخبين في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني. ويوضح (خالد فهمي) قائلا:
"ما نشاهده الآن هو انقسام ثلاثي في المجتمع المصري والمشهد السياسي المصري، بين ما تبقى من نظام مبارك ممثلا في معظمه بالعسكريين، والإسلاميين المنقسمين بدورهم إلى الإخوان المسلمين والسلفيين حديثي الظهور في الساحة، ومن يعرفون بـ(ناس ميدان التحرير) - أي اللبراليين والشباب واليساريين الذين أطلقوا ذلك التغيير المهم في كانون الثاني. وهذه الجماعات الثلاث تتنافس على السلطة، وتسعى إلى إيجاد أرض مشتركة تمكن فيها محاربة بعضهم البعض الآخر، وهو وضع بالغ الصعوبة الآن".

ويعرض Ed Husain في كتابه بعنوان (الإسلامي) تفاصيل السنوات الخمس التي أمضاها كأصولي إسلامي، وهو قلق إزاء ما شاهده هناك في الآونة الأخيرة، مضيفاً:
"صعود السلفيين، والإفراج من السجن عن أناس كانوا قد أدينوا لارتكابهم فضائع إرهابية، يهدد بحدوث تحول شامل في التوجهات الفكرية ومع إخفاقات محتملة في الانتخابات ربما سيؤدي إلى اندلاع التطرف الإسلامي والإرهاب".
غير أن المخاوف بأن يصل الغليان العربي إلى نهاية مشئومة فمن شأنه أن يقوض ما يعتبره أستاذ التاريخ (خالد فهمي) أهم النجاحات لحد الآن – وهو استعادة كثير من الناس لكرامتهم، إذ يقول:
"ما نشاهده هو منعطف بالغ الأهمية. هذه هي أول مرة منذ نحو 100 سنة أو ربما أكثر، تقف فيها شعوب المنطقة – أي مختلف الناس في مصر وليبيا وسورية واليمن والبحرين وتونس – وقفة للمشاركة في كيفية إدارة بلدانهم".
XS
SM
MD
LG