البصل مثل السمك ، طعام مأكول و مذموم. ذكرت الكثير عنه وعما يعانيه من الظلم و الأحتقار في العراق و في عالمنا العربي عموما . و من طرائف ذلك ما سمعته عن احد اصحاب البقر. كان يطعم بقراته بأوراق البصل. و كان احد كبار تجار بغداد يشتري الحليب من هذا الرجل و لكن حليبه كان دائما يحمل نكهة البصل بسبب اعطاء هذه المادة لأبقاره كعلف. تضايقت العائلة من هذا الحليب المبصل و اقنعوا والدهم بشراء بقرة ليضمنوا الحصول على حليب نقي غير مبصل.
خرج الأب فصادف ذلك الفلاح يسوق واحدة من بقراته في الطريق فعرض عليه شراءها. و تساوما على السعر و اتفقا على ثلاثة دنانير ثمنا لها. دفع التاجر ذلك الى الفلاح و انجز الصفقة. و لكن بعد ان وضع الفلاح الدنانير الثلاثة في جيبه مضى مع البقرة في حال سبيله. ركض التاجر وراءه و قال: اين؟ أين تذهب بها؟ لقد اشتريتها منك. فأنكر الفلاح ذلك . تعالى صياحهما و مسكا بتلابيب بعضهما البعض و حضر القوم ليفكوا ما بينهما و يحاولوا حل النزاع. و لكن هيهيات. لا التاجر يرضخ لفقد دنانيره ولا الفلاح يرضى بمفارقة بقرته. جاؤوا بالشرطة فقبضوا عليهما كما تفعل الشرطة العراقية دائما . اشبعوهما ضربا ثم احالوهما الى القاضي.
شاءت الصدف ان يكون ذلك القاضي عبد العزيز الخياط المشهور بظرفه و بذائة لسانه. استمع الخياط لدفوع الطرفين، حيث اشار التاجر الى الدنانير الثلاثة التي في جيب الفلاح وقال هذه دنانيري ثمن البقرة. و قال الفلاح ، لا ، استغفر الله. هذه دنانيري انا. و اقسم الفلاح بالنبي محمد و رفض ان يقسم بالقرآن الكريم و يضع يده عليه. فرد عليه التاجر وقال هذا غير صحيح. فلا يجوز القسم في المحكمة الا بالله و بالقرآن الكريم . و دخلت المحكمة في مناقشة طويلة فيما اذا يجوز للمسلم القسم بغير الله. وانصرم النهار ولم تحسم المناقشة و بقيت القضية معلقة الى اليوم التالي. لسوء حظ التاجر ان اليوم التالي كان فاتح شهر رمضان الشريف . و اعتبر السيد عبد العزيز الخياط استقبال الشهر المبارك بقضية بقرة تأكل البصل شيئا مكروها فرفض النظر فيها و اجل الدعوى الى ما بعد رمضان المبارك. و حدد يوما لذلك . و لكن الجيش قام بانقلاب عسكري في ذلك اليوم و فرضوا منع التجول. و رأى ضباط الشرطة أن منع التجول يشمل تجول الأبقار و الأغنام ايضا فتعذر جلب البقرة التي تأكل البصل الى المحكمة. وأجلت القضية الى يوم آخر في شهر رجب.
و كان يوما صافيا مناسبا للنظر في قضايا العدالة ، وهو طبعا شيء نادر في العالم العربي ، فجيء بالبقرة و الثلاثة دنانير. تحير القاضي في الأمر . فقد لاحظ ان كلا الطرفين كان مستعدا للأدعاء بأي أمر و القسم بأي شيء طالما تعلق الموضوع بمصير ثلاثة دنانير. و كان الدينار في ذاك الزمان دينارا يأتي للرجل بزوجة بكر لم يمسسها احد. فأمر القاضي بأخراجهما من قاعة المحكمة للتشاور و دراسة الأوراق. بعد ساعة من الزمن قضاها في شرب القهوة و مكالمة زوجته أم سعدون ، نادى عليهما ثانية. التفت الى الفلاح فقال:
يا رجل لقد فحصنا البقرة و فحصنا الدنانير. تبين ان هذه البقرة تأكل البصل في زمن مجاعة و لا يوجد بصل في السوق لأكل المسلمين . وهذه عقوبتها ثلاثة اشهر. و تبين ايضا ان هذه الدنانير مزورة و عقوبتها عشر سنوات مع الأشغال الشاقة لمن يحملها. و الآن قل الحقيقة للمحكمة و لا تكذب مثل الجرائد. لمن هذه الدنانير الثلاثة المزورة؟
لاحظ الفلاح ان ثلاثة اشهر في السجن اهون من عشر سنوات فاسرع و قال يا حضرة القاضي ، ما اقول غير الصدق. هذي الدنانير اعطاني اياها هذا التاجر سعر البقرة و انا ما ادري انها مزورة. و البقرة انا بعتها و هو صاحبها.
وعندئذ حكم القاضي عبد العزيز الخياط بالبقرة للتاجر . وقال لقد تبين الحق من الباطل . و كان يعني بذلك ان التجار دائما على حق.
وهكذا كانت العدالة في تلك الأيام الخوالي. و هكذا كان القضاة يتفننون في استنباط الحقائق بدلا من الحصول على الاعترافات بالضرب والتعذيب.
المزيد في الملف الصوتي.
خرج الأب فصادف ذلك الفلاح يسوق واحدة من بقراته في الطريق فعرض عليه شراءها. و تساوما على السعر و اتفقا على ثلاثة دنانير ثمنا لها. دفع التاجر ذلك الى الفلاح و انجز الصفقة. و لكن بعد ان وضع الفلاح الدنانير الثلاثة في جيبه مضى مع البقرة في حال سبيله. ركض التاجر وراءه و قال: اين؟ أين تذهب بها؟ لقد اشتريتها منك. فأنكر الفلاح ذلك . تعالى صياحهما و مسكا بتلابيب بعضهما البعض و حضر القوم ليفكوا ما بينهما و يحاولوا حل النزاع. و لكن هيهيات. لا التاجر يرضخ لفقد دنانيره ولا الفلاح يرضى بمفارقة بقرته. جاؤوا بالشرطة فقبضوا عليهما كما تفعل الشرطة العراقية دائما . اشبعوهما ضربا ثم احالوهما الى القاضي.
شاءت الصدف ان يكون ذلك القاضي عبد العزيز الخياط المشهور بظرفه و بذائة لسانه. استمع الخياط لدفوع الطرفين، حيث اشار التاجر الى الدنانير الثلاثة التي في جيب الفلاح وقال هذه دنانيري ثمن البقرة. و قال الفلاح ، لا ، استغفر الله. هذه دنانيري انا. و اقسم الفلاح بالنبي محمد و رفض ان يقسم بالقرآن الكريم و يضع يده عليه. فرد عليه التاجر وقال هذا غير صحيح. فلا يجوز القسم في المحكمة الا بالله و بالقرآن الكريم . و دخلت المحكمة في مناقشة طويلة فيما اذا يجوز للمسلم القسم بغير الله. وانصرم النهار ولم تحسم المناقشة و بقيت القضية معلقة الى اليوم التالي. لسوء حظ التاجر ان اليوم التالي كان فاتح شهر رمضان الشريف . و اعتبر السيد عبد العزيز الخياط استقبال الشهر المبارك بقضية بقرة تأكل البصل شيئا مكروها فرفض النظر فيها و اجل الدعوى الى ما بعد رمضان المبارك. و حدد يوما لذلك . و لكن الجيش قام بانقلاب عسكري في ذلك اليوم و فرضوا منع التجول. و رأى ضباط الشرطة أن منع التجول يشمل تجول الأبقار و الأغنام ايضا فتعذر جلب البقرة التي تأكل البصل الى المحكمة. وأجلت القضية الى يوم آخر في شهر رجب.
و كان يوما صافيا مناسبا للنظر في قضايا العدالة ، وهو طبعا شيء نادر في العالم العربي ، فجيء بالبقرة و الثلاثة دنانير. تحير القاضي في الأمر . فقد لاحظ ان كلا الطرفين كان مستعدا للأدعاء بأي أمر و القسم بأي شيء طالما تعلق الموضوع بمصير ثلاثة دنانير. و كان الدينار في ذاك الزمان دينارا يأتي للرجل بزوجة بكر لم يمسسها احد. فأمر القاضي بأخراجهما من قاعة المحكمة للتشاور و دراسة الأوراق. بعد ساعة من الزمن قضاها في شرب القهوة و مكالمة زوجته أم سعدون ، نادى عليهما ثانية. التفت الى الفلاح فقال:
يا رجل لقد فحصنا البقرة و فحصنا الدنانير. تبين ان هذه البقرة تأكل البصل في زمن مجاعة و لا يوجد بصل في السوق لأكل المسلمين . وهذه عقوبتها ثلاثة اشهر. و تبين ايضا ان هذه الدنانير مزورة و عقوبتها عشر سنوات مع الأشغال الشاقة لمن يحملها. و الآن قل الحقيقة للمحكمة و لا تكذب مثل الجرائد. لمن هذه الدنانير الثلاثة المزورة؟
لاحظ الفلاح ان ثلاثة اشهر في السجن اهون من عشر سنوات فاسرع و قال يا حضرة القاضي ، ما اقول غير الصدق. هذي الدنانير اعطاني اياها هذا التاجر سعر البقرة و انا ما ادري انها مزورة. و البقرة انا بعتها و هو صاحبها.
وعندئذ حكم القاضي عبد العزيز الخياط بالبقرة للتاجر . وقال لقد تبين الحق من الباطل . و كان يعني بذلك ان التجار دائما على حق.
وهكذا كانت العدالة في تلك الأيام الخوالي. و هكذا كان القضاة يتفننون في استنباط الحقائق بدلا من الحصول على الاعترافات بالضرب والتعذيب.
المزيد في الملف الصوتي.