روابط للدخول

خبر عاجل

المقصورة ... القصيدة الأخلد !


الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري عام 1958 في إحدى الأحتفالات الشعبية.
الشاعر العراقي محمد مهدي الجواهري عام 1958 في إحدى الأحتفالات الشعبية.
نادراً ما كان الجواهري يجيب عن أسئلة من قبيل: أي قصائده أحب إليه من غيرها... ولكنه كثيراً ما بادر إلى تمييز قصيدة "المقصورة"، بل ووصفها في مرات عديدة ، بأنها الأفرد والأخلد... ويكفي الاستدلال هنا بقوله "لو فنيت جميع أشعاري لبقيت المقصورة"

سلام ٌ على هضباتِ العراق
وشطيه ِ والجرف ِ والمنحنى

على النهر ِ ذي السعفات الطوال
على سيد ِ الشجر ِ المقتنى

وتلك القصيدة – الملحمة، تتعدى أبياتها المئتين، وهي الأطول في كل قريض الشاعر العظيم الذي يتجاوز الخمسة والعشرين ألف بيت، اذاع مقاطع أولى منها عام 1947، ثم نُـشرت كاملة سنة 1948، وضمتها جميع طبعات دواوينه في بغداد ودمشق وبيروت، مع تقديم يشير إلى أن ثمة مئة وخمسين بيتاً أخريات، عصفت بها الرياح إلى "دجلة الخير"، أو فقدت لأسباب أخرى... وقد كان هناك للجواهري، مع كاتب هذه السطور، مشروع على وشك الاتمام عام 1989، لإصدار تلك "المقصورة" الباهرة في كتيّب ٍ خاص يضمها مع بعض الدلالات والشروحات والتوثيق والاضافات، وقد تعذر ذلك في اللحظات الأخيرة لعدم توفر التغطية المالية، وإن كان الأمر يخص شاعر العراق والعرب الأكبر.

وفي "مقصورته" يجوب الجواهري مختلف أغراض الشعر العربي المعروفة... ويفتتحها بالاعتداد والعنفوان والشموخ "... وفي مقطع تالٍ، وكأنه قصيدة جديدة تماماً، يعود الشاعر ليعتمد الكلمة، واليراع الأبي، في الرد على من اعتقدهم متجاوزين عليه، وليبارزهم بالضمير فحسب!، وليعاتبَ، وبكل هضيمة وألم، بلاده و"أمته" العراقيةَ التي لم تنصفه، وهو شاعرها، وحامل لواء التنوير والانطلاق. كما أثقل "العتاب" على القادة والزعماء، أو من يدعون تلك الزعامةّ، وكذلك من يحمل، زاعماً، "سمات الأديب".
وفي مقطع لاحق، يتوقف شاعر الأمة العراقية عند هضبات الوطن، وشطيه والجرف والمنحنى، فيتغزل، ويتباهى، ويصف، كما الأم والعاشق والقائد!. ولا يكتفي بذلك بل يجوب طبيعة البلاد ويصف نخيلها وحقولها، وحتى ضفادعها التي تنقل على الشاطئين بريد الهوى! ويا طالما رافقهن الجواهري، ورافقنه، وهو الذي ظلَّ يعشق ضفاف الأنهر، سكناً وجواراً وخلوداً للراحة، وتوسلاً للايحاء.

وفي ختام "المقصورة"، البانورامية المجيدة، يحاول الجواهري أن يعتذر عن فورانه وغضبه في بعض مقاطع القصيدة، الناقدة والمحرضة باتجاه النهوض والانهاض، فيعود ممجداً "بلداً صانه" وكلاهما – الشاعر والوطن – في موقع التلاحم والانسجام والتداخل الذي لا فكاك منه، وعلى الأقل في "المقصورة"! والتي قال عنها الكاتب والمؤرخ البارز حسن العلوي في كتابه الجواهري ديوان العصر، الصادر عام 1982

" انها لا تنفرد بكل ذلك الكم الشعري فحسب، ولا بجزء من الجواهري. انما كان الجواهري كله في المقصورة... تجربة الحياة والجدلية ولغته الشعرية ومفرداته الجاهلية وأحكامه النقدية".

وأخيراً نأمل أن نكون قد استطعنا في هذه الدقائق العجلى ان نقدم ولو صوراً مكثفة، وإيجازاً سريعاً، عن بديع "المقصورة" وموحياتها، الوطنية والثقافية والاجتماعية، وما هدفت إليه في تلك المجالات، وغيرها كثير...
وإلى اللقاء في الأسبوع المقبل لنتابع معاً ايقاعات ٍ ورؤى جديدة عن الشاعر العظيم.


الجواهري ... إيقاعات ورؤى
برنامج خاص عن محطات ومواقف فكرية واجتماعية ووطنية في حياة شاعر العراق والعرب الأكبر... مع مقتطفات لبعض قصائده التي تذاع بصوته لأول مرة... وثـّـقـهـا ويعرضها: رواء الجصاني، رئيس مركز ألجواهري الثقافي في براغ... يخرجها في حلقات أسبوعية ديار بامرني.
www.jawahiri.com
XS
SM
MD
LG