روابط للدخول

خبر عاجل

لعنـــة النفط


أياد الکيلاني و حسين سعيد

علماء السياسة يعتبرون النفط شيئا غريبا، فحين تكتشفه الدول الديمقراطية فإنها تصبح غنية لكنها تبقى ديمقراطية. وحين تكتشفه الدول المستبدة فإنها تصبح غنية لكنها تبقى مستبدة، وهاتان الحالتان اصبحتا ظاهرة يصطلح عليها بـ(لعنة النفط). فما هي مديات هذه اللعنة وكيف يمكن للدول أن تتحرر منها؟ إنها تساؤلات يحاول المحلل في إذاعة العراق الحر Charles Recknagel تسليط الضوء عليها في التقرير التالي:

كل من يشكك بوجود لعنة النفط ما عليه إلاّ مراجعة قائمة الدول العشر الأكثر تصديرا للنفط، ليكتشف بأن من بين المصدرين العشرة الكبار دولتان فقط يمكن وصفهما بالديمقراطية، هما النرويج والمكسيك. أما الدول الثماني الاخرى ومن بينها روسيا وإيران ودول الخليج فكانت خاضعة لأنظمة حكم تسلطية إبان اكتشاف النفط فيها، وهي لم تزل كذلك وإن بدرجات متفاوتة.

أما عدم تحرر الدول التسلطية مع تنامي ثرائها فيثير الدهشة لدى البعض. فهناك حجج قوية مفادها أن زيادة الثروة النفطية من شأنها أن تؤدي إلى مجتمعات تنعم بالحرية أكثر من غيرها. ويعتقد اصحاب هذا المنطق بأن زيادة ثروات الدول النفطية يؤدي الى ظهور طبقة مستقلة وجديدة من رجال الأعمال في البلد، وكلما زادت مطالبة هذه الطبقة بالمشاركة في السلطة، فإنها تتحول إلى قوة دافعة نحو الديمقراطية. لكن الأمور لا تجري على هذا النحو في الواقع. يقول الباحث Michael Ross من جامعة كاليفورنيا بمدينة لوس أنجلس الذي دأب على دراسة تاريخ الدول النفطية، بحثا عن تفسير للظاهرة:

صوت الباحث Michael Ross من جامعة كاليفورنيا

"من خلال تحليل سلوك هذه الحكومات خلال السنين الخمسين الماضية، وجدت أن الحكومات غير الديمقراطية حين تحصل على أموال من بيع النفط أو ثروات معدنية أخرى، تبقى متمسكة بالسلطة لفترة أطوال من خلال استخدامها لهذه الأموال في التصدي للضغوط الديمقراطية. ويبدو لي أن ذلك يعود إلى تمكنها من الإكثار من المحسوبية، ومن توفير الكثير من المنافع المالية لمواطنيها، مع احتفاظها بمستوى متدن من الضرائب. أما الناس، فحين يتلقون الكثير من الرعاية المادية من حكوماتهم مقابل نسبة متدنية من الضرائب، فهم ميالون إلى التغاضي عن محاسبة قادتهم."

كل من يعيش في دولة نفطية غير ديمقراطية يعرف جيدا ما يعنيه Ross، فالحكومة – التي تهيمن عليها عائلة مالكة، أو مجموعة من الحكام المستبدين – تدعي ملكيتها لجميع الإيرادات المتحققة من نفط البلاد. ثم تقوم الحكومة بتوزيع هذه الإيرادات على الجماعات الرئيسية المؤيدة لها. ولكون المبالغ ضخمة، فإن التنافس عليها – أي التنافس على الاقتراب من النخبة الحاكمة – يصبح الشغل الشاغل لطبقة رجال الأعمال في البلاد. بل إن بعض الحالات – كما هو الحال في امارات دول الخليج العربية ينصب نشاط رجال الأعمال بشكل كامل تقريبا على السعي للحصول من الحكومة على اموال النفط. ومن أجل أن تضمن الحكومة قبول الناس بهذا الوضع، فانها توفر برامج سخية من الإعانات للجميع، مثل التعليم المجاني، والإسكان المجاني، والرعاية الصحية المجانية. وتعفي الجميع من الضرائب فيحول ذلك دون ممارسة أي ضغوط عليها من أجل تقاسم السلطة.

غير أن هذه المعادلة غير واردة في دول اخرى غنية بالنفط – مثل إيران وروسيا – لكن تنافس رجال الأعمال فيهما على الحصول على جزء من عائدات الثروات المؤممة يؤدي الى ارتباط رجال الأعمال البارزين بالحكومة، ما يحقق منعهم من فرص الضغط من أجل التغيير. ويعتقد Ross أنه طالما بقيت أسعار النفط مرتفعة فان الأنظمة الحاكمة تبقى غير خاضعة للضغوط من أجل مجتمعات أكثر انفتاحا:

صوت الباحث Michael Ross من جامعة كاليفورنيا

"لقد حققت دول مثل فنزويلا وروسيا وإيران عائدات نفطية غير متوقعة خلال السنوات الخمس الماضية، ما جعل حكوماتها تتمتع بقدر ملفت من الشعبية. الحقيقة هي أن قادة تلك الحكومات كانوا قد انتخبوا بأساليب ديمقراطية، لكن ثرواتهم النفطية قد بلغت مستوى – خصوصا في روسيا وفنزويلا – مكنهم من إزالة بعض آليات المحاسبة التي كانت ستقيدهم خلال الظروف الطبيعية، مثل الصحافة الحرة ومؤسسات المجتمع المدني."

أما ضعف مساءلة النظام حول كيفية توزيعه لإيراداته النفطية فيزيد بحسب ناشط من تركمنستان يدعى Gurbandury Durdykuliev من عجز الناس في إحداث تغيير في الواقع القائم. ويعبر الناشط التركمنستاني عن شعوره بالإحباط بقوله:
صوت ناشط من تركمنستانGurbandury Durdykuliev


"لا بد من توفر الشفافية في التعامل مع النفط والغاز. ما هي الأسعار؟ كم يبلغ دخلنا؟ كيف وأين يتم إنفاق إيراداتنا؟ ما من شيء يمكن اعتباره واضحا. كما لا بد من المحاسبة فيما يتعلق بإيرادات الدولة الأخرى، فإن كانت نسبة نمو اقتصادنا تبلغ فعلا 22%، لكان مستوى معيشتنا سيضاهي ما هو موجود في الكويت."

الثراء الذي تنعم به الدول النفطية المستبدة يثير غيرة الدول الفقيرة، لكن الثراء النفطي – فيما يخص التواقين إلى الديمقراطية – لا يساهم إلا في إطالة المشوار نحو هذا الهدف، كما يوضح Ross:

صوت الباحث Michael Ross من جامعة كاليفورنيا

"تتدفق على دول مثل تركمنستان وكازاخستان ثروات طائلة من مبيعات النفط والغاز، فالذي نتوقعه من دول ذات مستويات مماثلة من الدخل أن تنعم بمجتمع مدني مزدهر، يضم مختلف المنظمات المستقلة المطالبة بحقوق أعضائها. لكننا لا نجد أثرا لذلك في هذه الدول، بل نجد أيادي الدولة ممتدة إلى مختلف جيوب المجتمع، كما تبدو كل زاوية من زوايا الاقتصاد المختلفة وهي تدار من قبل الحكومة."

ويتساءل المحلل Charles Recknagel هل يتحتم على الأوضاع أن تبقى على هذا الحال؟
ويجيب بالنفي ويضيف لابد ان تتوفر بعض الظروف لسبل تخلص الدول من لعنة النفط.

على صلة

XS
SM
MD
LG