روابط للدخول

خبر عاجل

حلقة جديدة


خالد القشطيني

معاداة السامية ، او ما يقصدونه في الواقع معاداة اليهود ظاهرة خبرتها معظم الأمم و لكن العرب كانوا اقلهم ممارسة لها. تضمنت في الغرب الاعتقاد الخرافي بأن اليهود يحتاجون لقتل طفل من الاغيار لاستعمال دمه في طقوسهم في عيد الفصح عندهم. و تأثرنا في الشرق بهذا الاعتقاد الغربي الذي نقلوه الينا في القرن التاسع عشر. و كان من فصول ذلك التأثير ما سمي بواقعة دمشق. حصل ان اختفى او ضاع احد الأطفال الأبرياء هناك و لم يعثر احد على اثر له. شاعت في البلد ان اليهود قتلوه ليأخذوا دمه و يمزجوه بخبز الفطير. هب الناس ضد اليهود و هجموا عليهم. قامت السلطات بالتحقيق و اذا بها تكتشف ان اصل الاشاعة تعود لأحد القساوسة المبشرين الفرنسيين. بيد ان تلك الاشاعات و المعتقدات الاوربية الغريبة عنا تسربت الى سكان الشرق الاوسط و آمن بها البسطاء و الجهلاء من الناس.

كان من هوايتي كطفل التجول في الاحياء المسيحية و اليهودية من بغداد، عقد اليهود و عقد النصارى. و كنت ماشيا ذات يوم في سوق حنون ، واذا بباب احد الدور اليهودية القديمة تنفتح امامي و يطل منها وجه رجل ، لو كنت مخرجا سينمائيا لاخترته لتصوير زكريا او لقمان او نوح عليهم السلام. كان رأسه الاصلع كليا يلمع من بعيد وقد تدلى من جانبيه شعره الابيض الناصع في جذائل طويلة امتدت حتى اتصلت بلحيته البيضاء التي امتدت بدورها على صدره حتى امتزجت بدشداشته البيضاء. كان قطعة من النور الابيض في منظر مهيب و مخيف بعين الوقت.

رفع يده نحوي و اشار بإصبعه ان اتقدم اليه. استولى علي الهلع. و لكنني لم استطع ان اقاوم سحر انامله التي جذبتني اليه كالمغناطيس.

فتح الباب و اشار علي بأن ادخل. دخلت و لم استطع غير ان اطيع. اوصد الباب ورائي. رحت اتساءل، اهذه هي نهايتي . يا ليتني لم ادخل. لماذا دخلت ولماذا لم اهرب و اركض الى اهلي؟ سألني الرجل عن اسمي. قلت خالد. قال اسم جميل. خالد بن الوليد. و اين تسكن ؟و كم عمرك؟ كم عمري؟ آه! اهذا ليتحقق ان دمي سيكون مناسبا للعملية الدينية . و لكنني لم استطع ان اقاوم قلت له ثمان سنوات. وضع يده على رأسي و سألني، ابني خالد تعرف تشعل نار؟ موجة اخرى من الذعر. هل يريد ان يشويني على الناربعد ان يأخذ ما يحتاج من دمي؟ قلت نعم اعرف. قال شوفني بقا. شلون تشعل هذا الموقد! اخذت الشخاطة و شعلت احدى عيدانها بيد ترتجف ثم اوقدت الموقد.

عاد الرجل ، هذا الشخص من شخوص العهد القديم و التلموذ و قبلني . ثم مسك بيدي و اقتادني الى إيوان البيت حيث استقر دولاب قديم. مد يده الى احد الأدراج و اخرج لي حفنة من الجكوليت ملأ بها جيبي الأيمن ثم اخرج حفنة اخرى من الحامض حلو و ملأ بها جيبي الأيسر. ثم اقتادتي الى باب الدار و انا في ذهول مطبق. ودعني عند الباب داعيا لي بطول العمر و البركة. سلم لي على بابا ، قال.

خرجت مذهولا و اسرعت نحو البيت كواحد استفاق من حلم عجيب. رويت حكايتي للأهل ، لوالدتي و اخوتي و كل من كان في الدار. ضحك والدي رحمه الله و قال: " اوه هذا يوم سبت! اليهود حرام عليهم يشعلون نار. و المسكين هذا كان ميت على استكان شاي.

تقاسمنا الجوكليت و الحامض حلو. جوكليت ابو الياهو. الاسم الذي اطلقته عغلى ذلك الشيخ الوقور. قضيت الاسبوع اعد الايام انتظارا ليوم السبت التالي ، ثم السبت الذي بعده ، و بعد الذي بعده . و كل سبت اروح الى ذلك الزقاق ، الدربونة، و اتربص في زواياه، لعل ابو الياهو يفتح الباب بلحيته و دشداشته البيضاء و يفتش عن صبي مسلم يسعل له النار. و لكنه لم يطل من الباب و لم ار وجهه ثانية . خطر لي ان اطرق الباب ، و اسأل ، عمي ابو الياهو، مشتهي شاي؟ تريد احد يشعل لك النار؟ و لكنني ترددت و لم افعل. و عدت بدون جوكليت و بدون حامض حلو.

و مرت الايام و فاتت الايام بحلوها و مرها ، ايام الصفاء و المحبة و التسامح، يوم لم نسمع بعد عن ياسر عرفات و بنغوريون ، ولا صدام حسين. كان كله بحلوه و مره ، يوم من ايام الخير ، راح و فات و يا كل ايام الخير ، ئي نعم و كل اهل الخير من يهود و نصارى و صابئة و مسلمين.

على صلة

XS
SM
MD
LG