روابط للدخول

خبر عاجل

حلقة جديدة


خالد القشطيني

حلقة جديدة من برنامج أيام الخير الذي يعده ويقد الكاتب العراقي خالد القشطيني

كانت لمعظم مساجد بغداد القديمة تقاليد و مناسبات خاصة و احيانا اساطير شعبية ايضا . من هذه المساجد مسجد حبيب العجمي الذي يقع في جانب الكرخ. اتخذه مسكنا له المتصوف الزاهد محمد مهدي الرواس الذي ينسب اليه تكوين ربالط الرواس. كان لهذا المسجد حديقة نظرة اصبحت بمرور الزمن محط انظار سكان المنطقة و استرواحهم. كثيرا ما ارتادها الطلاب لمراجعة دروسهم في ايام الامتحانات. بيد انه كان للحديقة شأن آخر في يوم الاربعاء الاخير من شهر رجب من كل سنة. انه يوم حبيب العجمي. اعتادت النساء على جلب اطفالهن في احسن ما عندهم من ثياب و زينة و العاب للنزهة في هذه الحديقة و الباحات المجاورة لها. كانوا يفدون بالعربات او بالبلام او مشيا على الأقدام ، زرافات و وحدانا ، ليحيوا امام المسجد و يتباركوا به وهم ينشدون البستة التقليدية:

جينا نزورك يا حبيب العجمي

شمعة بطولك يا حبيب العجمي.
يسمون هذا اليوم من ايام السنة بيوم صوم البنات . فكانت التقاليد تقتضي من البنات الصبيات ان يصمن هذا اليوم حتى الظهر ، أي نصف يوم ربما رأفة بهن. بيد ان متعة هذا اليوم من ايام الخير كانت تحفز بعضهن الى تمديد المناسبة الى اليوم التالي فيكررن الصوم حتى الظهر, و لهذا اعتاد الناس على السخرية بهن فكانوا يسمون هذا اليوم الآخر بيوم صوم الرعنات. و لكنها كلها كانت ، سواء صوم البنات او صوم الرعنات، كانت كلها ايام خير ، و الناس مرتاحة و آمنة على سلامتها و حريتها.
و بالطبع اصبح تجمهر الامهات و اطفالهن حول المسجد مدعاة للنشاط الاقتصادي ، فكان الباعة المتجولون يخفون الى المنطقة بسلالهم و زنابيلهم و صينياتهم ليترزقوا و يبيعوا ما عندهم من مأكولات كالحلاوة و الكعك و السميط و اللبلبي و العنبة و صمون و نحو ذلك. تضج بهم الساحة و هم ينادون بأعلى صوتهم و ينشدون احيانا ، : مالح و طيب لبلبي " و عمي يا بو الباسورك ... كرز و اكل باسورك" و نحو ذلك.
و على النهر ، تزدحم البلام في شريعة الدميرخانة لتحمل الاطفال في نزهة نهرية قصيرة. يتحول فيها البلام من مجرد بلام الى قصاص او قصخون ، حكواتي فيروي لمن في بلمه من اطفال حكاية السعلوة التي تسكن في مسناية جامع القمرية . يمر على مقربة من المسناية القديمة ثم يشير الى المغارة ، او التجويف الموجود فيها على شكل قوس كبير و يشير اليه و يقول هذا بيتها. فيمسك الاطفال انفاسهم ذعرا و يتباكون و يتوسلون بالبلام ان يبتعد عنه. ولا سيما حينما يروي كيف ان هذه السعلوة ذهبت يوما و استعارت قدرا للطبخ من احد البيوت. فأنزلوه بحبل اليها من السطح العالي خوفا منها. و لكنها اعادته اليهم في اليوم التالي ، ومن باب الكرم و العرفان بالجميل، تركت لهم فيه شيئا ليأكلوه ، مما طبخته. كف انسان مشوي على النار، فيصرخ الاطفال في ذعر و ينادون على البلام ، عمي الله يخليك لا تاخذنا عليها ، لا تاخذنا عالسعلوة.
اذا كان مسجد حبيب العجمي قد اصبح كعبة للاطفال يملأونه بمرحهم و ضحكهم و حيويتهم ، فإن مسجد الخنيني القريب منه، اصبح مزارا للكبار ممن المت بهم المشاكل و الاقدار. يقصدونه ليستشيروا امامه الضرير عبد العزيز الوهب الذي اطلق عليه العلامة عبد الوهاب النائب لقب " المحتسب لله." كناية عن حرص هذا الامام الضرير على التدخل في مشاكل ابناء و بنات المنطقة و محاولة مساعدتهم و ارشادهم. كان رجلا ورعا كرس حياته للعبادة و الامامة و فعل الخير واداء ما يمكن تسميته في هذه الايام بالخدمة الاجتماعية. و لكن تدخله فيما يعنيه ولا يعنيه ، و ما يفهمه و لا يفهمه، كثيرا ما ادى الى زيادة المشكلة اشكالا و تعقيدا. فراح الناس يسخرون منه و يدعونه بالمحتسب الى الله.
و لكنه كان واحدا من كل ؤلئك الناس من اهل الخير ، اهل الخير اللي راحوا ويا تلك الايام من ايام العراق ، ايام الخير اللي راحت و فاتت.
مه الكاتب العراقي خالد القشطيني.

على صلة

XS
SM
MD
LG