روابط للدخول

خبر عاجل

حلقة جديدة


خالد القشطيني

حلقة جديدة من برنامج (ايام الخير) من اعداد و تقديدم الكاتب العراقي خالد القشطيني

- يقول صاحب المثل المأثور:"العفو عند المقدرة من شيم الكرام". وهو قول حكيم و لكنه في عالم السياسة يصبح ايضا من براعة رجال الدولة. طالما سمعنا و قرأنا امثلة من ذلك في تاريخنا العربي و الاسلامي. فما ادل على سماحة الحاكم وثقته بنفسه و عدله كعفوه عن خصومه. ايام الخير من العهد الملكي في العراق حاشدة بأمثلة من هذا الغرار. كان من اروعها ما جرى في شهر آب عام 1926عندما كان عبد المحسن السعدون رحمه الله رئيسا للوزراء. ذهب ذات يوم مع وزير الخارجية و راح كلاهما يصعدان درج السراي نحو مكتبه المتواضع في الطابق الأول. لم يكن هناك من يحرسهما. لا احد يصفر و يزمر و يقطع الطريق و يبعد الناس و يصرخ بهم. ففي ايام الخير كان المسؤولون و غير المسؤوولين يمشون احرارا هكذا بدون حراسة او ضجة. كم و كم شهد الناس نوري السعيد ينزل من سيارته امام سوق الامانة المجاور لساحة الأمين ليتبضع من دكان ابو كنو ما يلزمه من الفواكه و الخضروات. هكذا كانت الاحوال في ايام الخير. ئي نعم. كان الحاكم و المحكوم آمنا على نفسه.
و لكن بينما كان رئيس الوزراء محسن السعدون يصعد الدرج، هجم عليه من احدى زوايا الدرج رجل من دير الزور، السيد عبد الله حلمي. كان هذا موظفا في الدولة و جرى فصله من وظيفته لسوء عمله و سلوكه. لم يكن لرئيس الوزراء علاقة بالأمر و لكن الرجل عقد عزمه على الانتقام منه بالذات. فهجم عليه بموس حلاقة بما افضى الى جرحه من رقبته و كتفه. و في هذه الأثناء تجمع القوم و قبضوا على المعتدي و ثارت ثائرتهم و حنقهم عليه فهموا بضربه و ربما بقتله ايضا. بيد ان رئيس الوزراء وهو في هذه الحالة من الإصابة و الدم يتصبب من جراحه لم يتمالك غير ان يصيح بهم," لا تمسوه! و الله إن مسه احدكم بشيء سأقتل نفسي."
لم يعد للقوم غير ان يستعيذوا من الشيطان و يكبتوا غضبهم و يسلموا المعتدي الى الشرطة لاعتقاله. بيد ان رئيس الوزراء تابع القضية فتنازل عن حقه الشخصي و طلب من الشرطة الإفراج عنه. و اثناء ذلك كان عبد المحسن السعدون يتلقى العلاج في المستشفى و يتماثل للشفاء من جراحه. و من فراشه هناك صرح للصحافيين و المسؤولين فقال:
" الحمد لله انني لم انل الطعنة من عراقي ، انما نلتها من شخص ليس عراقيا. و لقد نلت الجرح و اريق دمي و انا في حال الخدمة لوطني، تلك الخدمة الشاقة التي ما كان يعوزها لأكمال مشقاتها الا اراقة ذلك الدم."
ما يلفت النظر في هذه الحادثة ليس فقط سماحة هذا الزعيم الوطني و عفوه الى حد التهديد بقتل نفسه اذا اساءت الشرطة معاملة المجرم المعتدي عليه، بل وايضا اشارته الى استعداده لبذل دمه من اجل الوطن. لم يكن ذلك منه مجرد كلام عابر طالما سمعناه من كل من هب و دب، و انما كان تعبيرا صادقا عن عزمه للفداء بروحه و دمه من اجل خير العراق . فعندما تأزمت العلاقة بين بريطانيا و بلاده و تعذر عليه تخطي الصعوبات لم يتردد في اطلاق الرصاص على نفسه و الانتحار في تشرين الثاني عام 1929.
لقد كان بحق قمة شامخة و رائدا قائدا لإقامة دولة حرة متطورة على اسس الديمقراطية و احترام حقوق الانسان و حريات المجتمع المدني. كان واحدا من رجال الخير في ايام الخير. لم يرد لبلده و شعبه غير الخير و ضحى بحياته من اجل ذلك. راح مع كل من راحوا من امثاله من اهل الخير في ايام الخير.

على صلة

XS
SM
MD
LG