روابط للدخول

خبر عاجل

هل يؤثر نطح الكرة على الدماغ؟


خالد القشطيني – لندن

هذه أيام كرة القدم حيث ينشغل الجمهور في كل مكان بأخبارها و يسارع الشباب إلى لبس أحذيتهم للانطلاق وراء الكرة حيثما وجدوا كرة وأرضا تستوعبها. وهو موسم ذكريات لأيام كنا نلعب فيها بأمن وطمأنينة في العراق لا نخاف من أحد قد يخطفنا أو يعتدي علينا إذا خسرنا أو كسبنا.

أثارت لعبة إنكلترا ضد كرواتيا قبل أيام ذكرياتي عن أيام الخير. حسبت نفسي قد نسيتها تماما فإذا بها حية أمامي. وامتد خط التذكر إلى أيام المدرسة الابتدائية عندما كنا نلعب بالدشاديش، وفي أكثر الأحيان حفاة بدون أحذية أيضا. كنت أنا ألعب مع فريق العيواضية في بغداد ضد فريق الكرنتينة المجاورة لنا. وغالبا ما أثارت الأحذية نزاعات مستمرة، يمكن اعتبارها صورة من صور النزاع الطبقي. إذ دأب أبناء الكرنتينة الفقراء الذين كانوا على الغالب حفاة، على الاحتجاج علينا لأن أكثرنا في العيواضية كانوا يلبسون أحذية، وأحذية محترمة، لابجينات، كانوا يقولون لنا إننا ندوس على أقدامهم الحافية بأحذيتنا الثقيلة فنكسر عظامهم ونغلبهم في نزاع غير متكافئ. كانوا يقولون لنا: إذا أنتو تعتبرون أنفسكم شطار ولواعيب عالميين انزعوا قنادركم وتسابقوا ويانا، مثلنا حفاي بحفاي.

وبينما جرى هذا النزاع الأيديولوجي بين الفريقين دأب فريقنا على المهاوشة معي، وذلك لأنني كنت ألعب لعبا بارعا بقدمي ولكنني كنت أرفض استعمال رأسي في نطح الكرة لاعتقادي الراسخ بأن نطح الكرة يؤثر على الدماغ ويفلطحه فيفقد ذكاءه. وعندئذ يسقط التلميذ في درس الحساب. وكان برهاني على ذلك درجاتي العالية التي كنت أحصل عليها في هذا الدرس، في حين كان زميلي عبد المعبود فياض، والد الصحافي البارع معد الفياض، يلعب زاوية شمال في الفريق وكان يفشل دائما في الهندسة والحساب. كثيرا ما كان يلتجئ إلي لأساعده في حل المسائل الحسابية وشرحها. وكنت أحبه كثيرا ونصحته باستمرار، يا أخي يا عبد المعبود لا تنطح الكرة براسك، على الأقل امتنع عن نطحها في أيام الامتحانات.

الفكرة تثير ضحكنا الآن، ولكن الغريب أن ذلك الصبي الصغير، خادمكم أنا، كان على حق. فبعد مرور كل هذه السنين قرأت مؤخرا في الصحافة الإنكليزية تقريرا طبيا يقول إن نطح الكرة في مسابقات كرة القدم، وتعريض الرأس للضرب في الملاكمة يعرقل نمو الدماغ وقد يسبب تلفا خطيرا فيه.

بيد أن زملائي في الفريق لم يصدقوا كلامي. وراحوا ينتقدون لعبي باستمرار ويقولون لي: شلون تريد تصير لاعوب عالمي وتلعب على كأس العالم في لندن وباريس وأنت ما ترضى أن تنطح الكرة براسك؟

ولكنني لم ألتفت إلى كلامهم وواضبت على اللعب بقدمي فقط والنجاح في درس الحساب، بينما استمر صاحبي عبد المعبود على نطح الكرة برأسه والرسوب في هذا الدرس. وانتهت المرحلة. وبقدر معلوماتي حتى الآن لم يبعث مدرب فريق كرة القدم العراقي علي ولا على عبد المعبود للانضمام إلى فريقنا الوطني. والحمد لله على ذلك ونحن في هذا الزمن الأعوج، الزمن المضطرب. فنحن كنا نلعب في زمن خير، ئي نعم، زمن خير في أيام الخير إللي فاتت وراحت ويا لواعيبها.

على صلة

XS
SM
MD
LG