روابط للدخول

خبر عاجل

المضادات الحيوية تفقد مفعولها بسبب الإنسان الذي صُنعت من أجله


فارس عمر

يبدو ان العراقيين ليسوا وحدهم الذين يلتهمون المضادات الحيوية وكأنها حلوى. ولا هم وحدهم الذين ينتظرون من الطبيب وصفة دسمة بالحبوب ذات الالوان الزاهية من المضادات الحيوية. ويبدو ان اطباءنا ليسوا وحدهم الذين يلبون طلبات المرضى بمزيد من المضادات الحيوية. وأحد الاسباب التي تدفع الكثير من الاطباء الى الاستجابة عن طيب خاطر ، اقتناعُهم بأن المضادات الحيوية حتى إذا لم تعالج المريض فانها لا تسبب ضررا به. ويصح هذا على اطباء يعملون في بلدان من العراق في آسيا الى الولايات المتحدة في نصف الكرة الغربي مرورا باوروبا. ولكن هذا الموقف بدأ يتغير الآن وأخذ العلماء يحذرون من ان استعمال المضادات الحيوية بافراط يمنح الجراثيم فرصة للتكيف واكتساب مناعة تلغي مفعول الدواء. وهكذا يعمد الانسان الى تجريد نفسِه بنفسِه من واحد من أمضى الاسلحة التي اخترعها هو نفسُه ضد أمراض خطيرة ، بحسب هؤلاء العلماء.

الدكتورة ايمي باراباز طبيبة تعمل في أحد المستشفيات في واشنطن. وهي كثيرا ما تستقبل مراجعين يريدون مضادات حيوية بعد عطسة واحدة أو سعلة خفيفة. وتشير الدكتورة باراباز الى ان المُراجع يعتبر موافقة الطبيب على طلبه مسألة مفروغا منها:
"أحد الاسباب وراء ذلك ان المريض يتوقع أن يغادر العيادة حاملا بيده وصفة من المضادات الحيوية".
وتؤكد الطبيبة الاميركية انها تحاول ان تنصح مرضاها بأن لا يتناولوا هذه الادوية إلا عند الضرورة وإلا فان المضادات الحيوية قد لا تنفع عندما تكون هناك حاجة حقيقية الى ان تؤدي الدور المطلوب منها. ولكن نصيحتها لا تلقى آذانا صاغية:
"ان المرضى لا يأبهون أو انهم لا يُريدون ان يسمعوا النصيحة".
وعندما يرفض الطبيب ان يُشبع شهية المريض الى المضادات الحيوية لمصلحة المريض نفسه يزعل هذا الأخير ويتهم الطبيب بعدم الكفاءة ويقرر البحث عن طبيب آخر يلبي رغبته.
وتبين الارقام الرسمية في الولايات المتحدة ان نسبة تصل الى اربعين في المئة من المضادات الحيوية التي يُعطيها الاطباء لمرضاهم توصف ضد التهابات سببها فيروسات لا تُعالج بالمضادات الحيوية.
ولا تقتصر هذه المشكلة على العراق أو الولايات المتحدة بل تشمل اوروبا ايضا. ويقول فكتور مالييف نائب مدير معهد دراسة الامراض التابع لوزارة الصحة الروسية في موسكو:
"ان الاطباء هنا يصفون الكثير من المضادات الحيوية. في الاتحاد السوفيتي كان لدينا قليل من المضادات الحيوية. ولكننا الآن حاضرون برسم الطلب ، ونتبع الممارسات الغربية بالكامل. وبعد أن صار الكثير من الروس يسافرون الى الغرب ويرون كيف يعالج الاطباء الغربيون مرضاهم فانهم يريدون الشيء نفسَه هنا ايضا. وهناك بالفعل حالات كثيرة لم تعد المضادات الحيوية تُجدي نفعا في علاجها".

بدأ استعمال المضادات الحيوية على نطاق واسع في الغرب منذ اربعينات القرن الماضي. ونتيجة لهذا الاكتشاف الرائع سجل عدد الوفيات بسبب الامراض المعدية هبوطا حادا. ولكن مع تزايد الاقبال على المضادات الحيوية وتساهل الاطباء في وصفها ، تزايدت قدرة الجراثيم على التكيف والتحصن ضدها. وخلال العقود الستة الماضية ظهرت سلالات جديدة من هذه الجراثيم ، لديها القدرة على مقاومة مستحضرات سابقة من المضادات الحيوية. ويتبدى حجم المشكلة في المقاومة التي اكتسبتها ضد المضادات الحيوية جراثيم امراض خطيرة مثل التدرن الرئوي والملاريا. ويصف الاطباء هذا الوضع بأنه تهديد عالمي محذرين من ان الجراثيم لا تعبر الحدود فحسب بل وتؤثر في جدوى العقاقير الطبية ايضا.
وفيما يدب الوهن في فاعلية الجيل القديم من المضادات الحيوية لا يجري الاستعاضة عنها بجيل جديد من العقاقير الطبية. ويرى خبراء ان من اسباب ذلك هو ان شركات الادوية لا تجد حافزا اقتصاديا يشجعها على انتاج مضادات حيوية أشد فاعلية. ويوضح الطبيب الاميركي ذو الأصل الجورجي الكسندر سولاكافلدزة هذا الجانب من المشكلة قائلا:
"تُستخدَم المضادات الحيوية لفترة قصيرة نسبيا. وقد يُعالج المريض اسبوعين أو ثلاثة اسابيع ثم تتحسن حالته أو يفارق الحياة. ولكن فترة العلاج قصيرة نسبيا. أما إذا كان المريض مصابا بحالة مزمنة مثل مرض السكري أو غيره من الحالات التي تبقى معه مدى الحياة فانه يضطر الى الاستمرار فترة طويلة جدا في شراء الدواء المطلوب لحالته. وبالتالي فان هناك ارباحاً أكبر بكثير تحققها شركات الادوية الكبرى من تطوير عقاقير لهذه الحالات الملازمة للمريض مدى حياته".

هناك طرق علاجية بديلة عن المضادات الحيوية منها العلاج بملتهمات الجراثيم. وفي هذه الطريقة تُستخدَم فيروسات غير مؤذية موجودة في الطبيعة لالتهام الجراثيم. وكانت هذه الطريقة شائعة قبل ان ينتشر استخدام المضادات الحيوية. ولكن ملتهمات الجراثيم لن تكون بديلا عن المضادات الحيوية لأنها تتطلب تشخيصا دقيقا لنوع الجرثومة التي اصابت المريض. من جهة اخرى توفر هذه الطريقة بديلا للمرضى الذين جربوا كل المضادات الحيوية المتداولة. وقبل عامين سافر اميركي من ولاية انديانا الى تبليسي عاصمة جورجيا في محاولة اخيرة لانقاذ ساقه من البتر مستغيثا بملتهمات الجراثيم. وقد استجابت له وانقذت ساقه.

على صلة

XS
SM
MD
LG