صحيح – يقول الباحثان – أن تأجيل موعد الانتخابات ليس من الخيارات المتاحة، فلقد قررت الحكومة الأميركية في الأيام الأولى التالية لإطاحة صدام حسين أن نقل السيادة إلى حكومة عراقية لن يتم إلا بعد إجراء انتخابات عامة، ما يجعل موعد الانتخابات رهينة الضغوط المتنامية لنقل السيادة.
لذا، ولو بقيت الانتخابات تمثل مفتاح السيادة في العراق، لا يبقى سوى سبيل واحد للتوفيق بين الحاجة إلى إجراء انتخابات مبكرة، والعملية المطولة الهادفة إلى تحقيق الإجماع وبناء المؤسسات، ويتمثل هذا السبيل في الحد من المرحلة الأولى من وضع الدستور لتتمخض عن دستور مرحلي يمكن الاستناد إليه في إجراء انتخابات لاختيار حكومة وحدة وطنية مرحلية ومجلس دستوري.
ويعني هذا الإجراء التوصل إلى حكومة منتخبة يمكنها تسلم السيادة من سلطة التحالف الانتقالية، كما يمكنها وضع هياكل المؤسسات والإشراف في المدى الأبعد على تثبيت مؤسسات ديمقراطية دائمة.
ومن أجل الاطلاع على وجهة نظر عربية إزاء التركيز في الوقت الحاضر على وضع دستور مؤقت وانتخاب حكومة انتقالية، اتصلنا بالمحلل والخبير البريطاني من أصل مصري (عادل درويش) فأعرب لنا عن تأييده لمثل هذا التوجه، بقوله:
(عادل درويش)
--- فاصل ---
وتوضح الدراسة بأن مخاطر الانتخابات المبكرة تتمثل أولا في خشية بعض القوى السياسية من أن أدائها الضعيف في الانتخابات سيقوض مصالحها الأساسية، ما قد يجعلها ترفض النتائج في حال عدم فوزها.
كما يمكن للانتخابات المبكرة – بحسب الدراسة – أن تزيد من قوة ونفوذ الجماعات الراديكالية الرافضة للتفاهم والحلول الوسط، فهي الجماعات السباقة – في الفترات التالية للنزاعات – إلى تنظيم نفسها، ما يجعلها تتفوق في الانتخابات المستعجلة.
وتنبه الدراسة إلى أن المشكلات الدستورية والقانونية والإجرائية من الصعب إيجاد حلول بسيطة لها في العراق، في ظل انقساماته العرقية والطائفية، وتاريخه الحافل بالنزاعات والقمع، وافتقاره إلى الخبرة – ولو الجزئية – في مساعي تحقيق الديمقراطية.
غير أن الدراسة تشدد في الوقت ذاته على أن هذا لا يعني استحالة التوصل إلى إجماع عملي أو أن العراق لا يمكن جعله بلدا ديمقراطيا، بل يعني أن هناك حاجة إلى البحث المستفيض في جميع القضايا والتفاوض حول تحقيق الحلول الوسط.
--- فاصل ---
وتنتقل الدراسة إلى توصية سلطة التحالف الانتقالية في العراق بجعل الجهود الحالية لوضع مسودة دستور، جهودا ترمي إلى تحقيق دستور انتقالي، يلتزم بالمبادئ الديمقراطية العريضة، واحترام حقوق الإنسان، مع الاكتفاء بالحد الأدنى من الهيكلية المرحلية اللازمة لانتخاب حكومة وحدة وطنية مرحلية تحكم البلاد لمدة ثلاث سنوات، وجمعية دستورية تتولى الإشراف على وضع دستور دائم خلال الفترة ذاتها.
ويتيح هذا التوجه للولايات المتحدة الوفاء بالتزامها بنقل السيادة إلى حكومة منتخبة خلال النصف الثاني من العام المقبل، مع تفادي مخاطر الانتخابات المبكرة، ما سيتيح للمجتمع العراقي وطبقته السياسية الوقت الكافي لدراسة وحل المعضلات العديدة الكامنة في عملية التحول إلى نظام ديمقراطي دائم.
ولا بد للدستور المرحلي – بحسب الدراسة – أن يتسم بأكبر قدر ممكن من البساطة، كما لا بد له أن يؤسس نظاما أحاديا وليس فدراليا. وهذا لا يعني أن النظام الأحادي هو الأفضل للعراق الديمقراطي، بل لكون قضايا الفدرالية الشائكة لا يمكن التغلب عليها وحلها بسرعة.
كما يجب أن ينص الدستور المرحلي على تأسيس نظام برلماني وليس نظام رئاسي، ما يتفادى الطبيعة الخطيرة للانتخابات المبكرة لمنصب رئاسة قوي، كما عليه أن ينص على جمعية دستورية تتميز بأقصى دراجات الشمول. ولا بد للانتخابات أن تجرى بأسلوب واضح وبسيط، ما سيشجع أكبر عدد ممكن من العراقيين على المشاركة فيها، ليتمتعوا بالقناعة بأنهم يساهمون فعلا في عملية تكوين الدولة الجديدة.
أما فيما يتعلق بالمخاطر الكامنة في استغلال السياسيين الحاليين مراكزهم لتثبيتها أو تعزيزها من خلال الفوز شبه المؤكد في انتخابات مبكرة لا يتم إعداد الناخبين للمشاركة فيها إعدادا كافيا، يقول (عادل درويش):
(عادل درويش)
--- فاصل ---
صحيح – يقول الباحثان – أن ما يقترحانه لا يضمن توصل العراقيين إلى الحلول الوسط السليمة المقبولة لدى جميع التيارات السياسية، حين يسعون في نهاية المطاف إلى مواجهة التحديات الكامنة في بناء المؤسسات الديمقراطية، إلا أنه يزيد من احتمال التوصل إلى هذه النتيجة.
كما ينبهان إلى أن اللاعبين على المسرح السياسي العراقي – وهم المستفيدين في الأرجح من عملية سريعة تنعم بالفوائد على الموجودين فعلا في مراكز سياسية مفضلة – أن هؤلاء اللاعبين سيقاومون مثل هذا التوجه.
إلا أنهما يشددان أيضا على أن العملية التدريجية المستندة إلى التفاوض المستفيض وتكوين الإجماع، من قبل السياسيين المحليين وباشتراك عامة الناس في المناقشات، تتماشى مع الدروس المستفادة في بلدان أخرى، وتلبي الاحتياجات الحقيقية في العراق.