تؤكد الدراسة أن سياسة الطاقة التي تتبعها إدارة الرئيس جورج بوش تستند إلى زيادة مستمرة في استهلاك النفط، مع التركيز على الحصول هذه المادة الحيوية بأدنى سعر ممكن، وتنبه إلى أن استهلاك النفط في الولايات المتحدة سيزداد – حسب التوقعات – بنسبة الثلث خلال العقدين القادمين. وهذا ما جعل البيت الأبيض يدعو إلى زيادة التنقيب عن النفط في الداخل، وإلى السماح للصناعة النفطية باستغلال المناطق المحمية في منطقة دائرة القطب الشمالي. ولكن رغم ذلك – استنادا إلى الدراسة – تتوقع مجموعة تطوير سياسة الطاقة القومية – برئاسة نائب الرئيس الأميركي Dick Cheney – أن يتراجع الإنتاج الأميركي من النفط بنسبة 12% خلال الفترة ذاتها، الأمر الذي سيجعل اعتماد الولايات المتحدة على النفط المستورد يرتفع بنحو الثلثين بحلول عام 2020.
ومما لا يمكن تجاهله – بحسب الدراسة – هو أن الشرق الأوسط، وخصوصا منطقة الخليج، ما تزال تمثل المصدر الرئيسي للنفط، سواء بالنسبة إلى الولايات المتحدة أو إلى غيرها من الدول المستوردة.
وتنسب الدراسة إلى مجموعة Cheney تأكيدها – في تقرير أصدرته العام الماضي – على أن الدول المنتجة للنفط في الشرق الأوسط ستبقى محورية في قضية الأمن النفطي العالمي. وتذكر الدراسة بأن الشرق الأوسط ينتج نحو 30% من مجموع النفط المنتج حول العالم، ويصدر نحو 40% من مجموع الكميات المصدرة، وبأن امتلاك هذه المنطقة إلى 65% من احتياطي النفط العالمي يجعلها المنطقة الوحيدة القادرة على تلبية ما تتوقه الإدارة الأميركية من زيادة في الطلب العالمي على النفط. أما بحلول عام 2020 – استنادا إلى تقرير مجموعة Cheney – فمن المتوقع أن ترتفع نسبة صادرات النفط من منطقة الخليج إلى ما بين 54 و67% من صادرات النفط العالمية.
ومن أجل الاطلاع على وجهة نظر عراقية حول هذا الموضوع، اتصلنا بالخبير الاقتصادي العراقي المقيم في باريس (رائد فهمي)، وطلبنا منه أن يعلق على هذا التقييم لأهمية نفط الخليج خلال الفترة المقبلة، فأجاب:
(تعليق رائد فهمي)
--- فاصل ---
وتمضي الدراسة إلى أن العراق يعتبر كنزا حيويا، لما يمتلكه من كميات هائلة من النفط عالي الجودة، الذي يمكن إنتاجه بتكاليف منخفضة، أي مع تحقيق أرباح أوفر. فالعراق – بما يمتلك من احتياطي يقدر بنحو 112 مليار برميل من النفط – يأتي في المرتبة الثانية، بعد السعودية، في قائمة الدول النفطية. وتشير إدارة معلومات الطاقة التابعة إلى وزارة الطاقة الأميركية إلى أن موارد محتملة أخرى قد تزيد احتياطي العراق المقدر إلى نحو 220 مليار برميل. ونتيجة انعدام الاستقرار السياسي والحروب والعقوبات، فلم يتمكن أحد من استكشاف نسبة كبيرة من الأراضي العراقية، الأمر الذي يثير التوقعات بوجود 100 مليار برميل أخرى لم تكتشف بعد في الصحراء الغربية العراقية. وكل هذا يعني أن العراق سيكون في نهاية الأمر منافسا محتملا حتى للمملكة العربية السعودية في مجال الثروة النفطية.
وتعتبر الدراسة أن العراق – في حال دعوة نظامه الجديد شركات النفط العالمية إلى العودة إلى الاستثمار والعمل في العراق – سيكون انسجم مع التوجهات الراهنة في عدد متزايد من الدول المنتجة، في فتح أبواب صناعاتها النفطية للاستثمار الأجنبي المباشر.
وعن احتمال اكتشاف واستثمار كميات إضافية كبيرة من النفط العراقي، يقول الخبير (رائد فهمي):
(تعليق رائد فهمي)
--- فاصل ---
وتؤكد الدراسة أن تغيير النظام في العراق سيعيد خلط الأوراق ويتيح للشركات الأميركية والبريطانية فرصة الاستثمار المباشر في حقول النفط العراقية للمرة الأولى منذ 30 عاما، وهي فرصة لتحقيق أرباح تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات. وتنسب الدراسة إلى المدير التنفيذي لشركة Chevron – وهي إحدى شركات النفط الأميركية العملاقة – قوله في 1998 أنه يتطلع إلى احتمال دخول Chevron إلى حقول النفط العراقية واستثمار احتياطها النفطي.
وتشير الدراسة إلى أن الفترة السابقة لصدور قرار مجلس الأمن الأخير حول العراق برقم 1441، شهدت صدور تلميحات تهدد باستثناء الشركات الفرنسية والروسية والصينية من صفقات النفط المستقبلية في العراق، ما لم تؤيد باريس وموسكو وبيجنك سياسة جورج الهادفة إلى تغيير النظام العراقي.
وتنسب الدراسة إلى (أحمد الجلبي) – رئيس المؤتمر الوطني العراقي المعارض والذي ينعم بتأييد الإدارة الأميركية – قوله إن المؤتمر الوطني لن يعتبر نفسه ملزما بأية عقود وقعتها حكومة صدام حسين، بل إن الشركات الأميركية ستتاح لها فرصة كبيرة في حقول النفط العراقية في ضل نظام جديد في بغداد، ما جعل بعض شركات النفط الأميركية تعقد اجتماعات مع مسؤولين في المؤتمر الوطني فيما اعتُبر مناورات تهدف إلى ضمان مكان لهذه الشركات في مستقبل العراق النفطي.
أما عن الاستثمار الأجنبي في صناعة النفط العراقية، في حال تغيير النظام في العراق، فلقد أعرب الخبير (رائد فهمي) عن رأيه التالي:
(تعليق رائد فهمي)
--- فاصل ---
يتابع الباحث في دراسته موضحا أن الاستفادة من مصادر النفط في منطقة الخليج والمناطق المجاورة تضمنها القوات الأميركية المنتشرة في هذه المناطق، فلقد ظهر العديد من القواعد الأميركية الجديدة من باكستان إلى آسيا الوسطى، ومن البحر المتوسط إلى القرن الأفريقي، في شبكة مكثفة من المنشآت الأميركية، تم إنشاء العديد منها باسم الحرب ضد الإرهاب.
وتعتبر الدراسة أن هذا الوجود الأميركي لا يتعلق بالنفط وحده، رغم أهمية النفط في التوجه العام، وتنقل عن القائد السابق لقيادة القوات الأميركية الوسطى – الجنرال Anthony Zinni – تأكيده في شهادته أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي أن منطقة الخليج ذات أهمية حيوية بالنسبة إلى الولايات المتحدة، وأنها لا بد لها من الاستفادة من الموارد الطبيعية في المنطقة.
ولكن الدراسة تنسب أيضا إلى مصادر في الإدارة الأميركية نفيها القاطع بأن النفط يمثل دافعا رئيسيا في السياسة الرامية إلى تغيير النظام في العراق، وتنقل عن وزير الدفاع الأميركي Donald Rumsfeld تأكيده في مقابلة تلفزيونية الشهر الماضي إن هذه السياسة لا علاقة لها مطلقا بالنفط.
ولكن بعض المسؤولين في الصناعة النفطية الأميركية رسموا صورة مختلفة، وتنقل الدراسة عن Phillip Ellis – رئيس عمليات النفط والغاز الطبيعي لدى شركة Boston Consulting – تأكيده بأن النفط بلعب دورا مركزيا في معادلة السياسة الأميركية تجاه العراق.
ويعود الباحث في دراسته إلى التأكيد بأن كبار المسؤولين في شركات النفط الأميركية يعقدون لقاءات هادئة وغير معلنة مع الجماعات العراقية المعارضة التي تدعمها الولايات المتحدة. وتنقل الدراسة عن (أحمد الجلبي) أن الحكومة الديمقراطية المستقبلية في العراق ستكون ممتنة إزاء مساعدة الولايات المتحدة الشعب العراقي في تحرير نفسه وتخلصه من صدام حسين. وهذا يجعلنا نتوقع أن الشركات الأميركية ستلعب دورا مهما وقياديا في الوضع النفطي المقبل في العراق.