روابط للدخول

خبر عاجل

عرض لمقتطفات من كتاب العراق ولص بغداد - الجزء الأول


نشرت صحيفة أميركية واسعة الانتشار مقتطفات من كتاب جديد سيصدر بعنوان (العراق ولص بغداد) لمؤلفه (فؤاد عجمي) الأستاذ في جامعة (جونز هوبكنز) الأميركية. وفيما يلي تعرض (ولاء صادق) للجزء الأول من هذه المقتطفات.

نشر الكاتب الاميركي لبناني الاصل فؤاد عجمي مقالة تحمل عنوان "العراق ولص بغداد" وهي نقد لكتاب نشرته ساندرا ماكي عن العراق يحمل عنوان "الحساب". وعجمي استاذ في مدرسة الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز ومؤلف كتاب "الورطة العربية" وكتب اخرى. وقد نشر نقده في صحيفة نيويورك تايمز التي صدرت امس. في ما يلي نقدم لكم الجزء الاول من هذا العرض ونعدكم بتقديم الجزء الثاني منه يوم غد ان شاء الله.

كانت تروى على العرب من جيلي الذين امتلكوا الوعي السياسي في نهاية الخمسينات، قصتا ثورتين باعتبارهما انموذجين على ذهنية ومواصفات بلدين حدثت فيهما هاتان الثورتان. الاولى هي ثورة الضباط الاحرار في مصر في صيف عام 1952 والثانية هي الثورة الدموية التي اعقبتها بست سنوات واسقطت العائلة الهاشمية في العراق.
في القصة المصرية غادر الملك فاروق قصره في الاسكندرية ترافقه احدى وعشرون اطلاقة وتوجه الى نابولي على متن يخت ملكي. وقبّل المسؤول عن الانقلاب يد الملك واعتذر اليه. اذ لم تكن هناك حاجة الى قتله لان التاريخ وكما قال جمال عبد الناصر الذي قاد الانقلاب الاول سيلعنه حتى يوم الدين.
أما الثورة الثانية التي حدثت في بغداد فمختلفة تماما. ففي صبيحة الرابع عشر من تموز من عام 1958 اقتحم متمردون من القوات المسلحة القصر الملكي وجمعوا افراد العائلة المالكة المكونة من الملك الشاب المسالم فيصل الثاني البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عاما وجدتِه وعمته اضافة الى افراد اخرين، جمعوهم في باحة القصر واطلقوا النار عليهم. وسلمت جثة الوصي وهو خال الملك، الى الجموع التي سحلته في الشوارع. أما رجل النظام القوي نوري السعيد وكان رجلا سياسيا غير محبوب مرتبطا بعلاقات ببريطانيا فقد هرب وتنكر كامراة. الا ان امره ما لبث ان انكشف في اليوم التالي فقتل. ولان الجموع ارادت الثأر اكثر اخرجت جثته من مدفنها ومزقتها ثم احرقتها.
كانت الاسرة الهاشمية قد فرضت على العراق من الخارج كما قال الكاتب. اذ جاء بها البريطانيون بناءا على رغبة جيرتروود بيل وتي اي لورنس وونستون تشرشل في اطار التسوية السياسية التي اعقبت الحرب العالمية الاولى. وكانت العائلة المالكة تتبع التقاليد الانكليزية مثل اعتماد مربيات انكليزيات ومعلمين ومدربين انكليز وكانت ترسل اولادها الى هارو. أما الحياة في المنطقة الكردية وفي الاهوار العربية فكانت صعبة بالنسبة للسنة والشيعة والتركمان والاشوريين واليهود والكلدان. فهم يعيشون في ارض تقع على الحدود بين العرب والفرس والعرب والاتراك ولم يشعر الهاشميون بالراحة على الاطلاق. وكان رجال المدن والقبائل يتقاتلون للسيطرة على الدولة. وكذلك فعل رجال الاقلية السنية والاغلبية الشيعية التي حرمت من السلطة لقرون.
واصيبت البلاد بحريق ضخم. وكانت دولة العراق ذات الطبيعة الخاصة جدا قد انشئت في عام 1921 بقرار اداري من ثلاث مقاطعات كانت تابعة للامبراطورية العثمانية هي الموصل وبغداد والبصرة. وكل من هذه المقاطعات عالم مختلف عن الأخريين: فللموصل في الشمال علاقات مع تركيا وسوريا. وبغداد والمدن المقدسة الشيعية كربلاء والنجف على الفرات كانت تميل الى جهة بلاد فارس وكانت البصرة التي تطل على البحر تعتمد على التجارة مع الهند.

--- فاصل ---

ومضى فؤاد عجمي في عرضه الى القول: امل الهاشميون في تطوير الشعب واعتبروا التعليم طريقا للخلاص. الا ان النظام التعليمي ساهم في واقع الامر في تطور الايديولوجيات السياسية. وفي اواخر الثلاثينات والاربعينات هز شكل غريب من اشكال القومية العربية كان تبسيطا لتعدد الهويات العراقية، هز النظام السياسي. ثم ما لبث ان منح النفط والارهاب الرسمي هذه الايديولوجية امكانياتها القاتلة. واستحوذت النخبة السياسية والعسكرية المعتمدة على السنة والتي سيطرت على الدولة منذ نشوئها، استحوذت على القومية العربية كي تعوض عن وضعها كاقلية داخل العراق نفسه حيث لا يمثل السنة العرب غير عشرين بالمائة بالكاد من السكان. وكانت تلك طريقة لترهيب الشيعة والاكراد.
كانت الدولة في العراق في حالة حرب دائمة مع المجتمع. وظل الحاكمون السنة يديرون البلاد بالوراثة باعتبارهم أبناءَ العروبة المفضلين. ومن خضم هذه التقاليد السياسية العقيمة ظهر صدام حسين من ناحية صغيرة تابعة لمدينة تكريت في المنطقة العربية السنية على نهر دجلة. وعندما برز كي يروض بلاده كانت حضارة البلاد قد تمزقت وتشوهت. فمثلا كان مسقط راس صدام يعيش على صناعة الكلك. الا ان القوارب البخارية قضت على هذه الصناعة. فشق التكارتة طريقهم الى العمل السياسي والاكاديميات العسكرية. وهناك عثروا على عمل اكثر ربحا وهو ارهاب الدولة. رغم انهم سيضطرون الى التخلي عنه في ما بعد، بعد سنوات الحرب والحصار الاقتصادي.
ومضى الكاتب الى القول: كتبت ساندرا ماكي وهي مؤلفة كتب شعبية عن السعودية وعن ايران وعن العرب كتبت تاريخا للعراق من السهل قراءته. وماكي ليست اكاديمية خبيرة في شؤون العراق. وكي نكون منصفين فهي لا تدعي ذلك. ونحن لا نعثر في كتابها الذي يحمل عنوان "الحساب" على المذكرات العربية وعلى المصادر الاساسية التي تعتمد عليها الاعمال المتخصصة. وهو ليس كتاب صحافة سياسية ولا كتاب رحلات ذلك ان عالم العراق السياسيَ المغلق يمنع وضع مثل هذه الكتب. وكانت النتيجة هي كتاب يسرد تاريخ العراق بطريقة سهلة وسلسة. وماكي امراة منصفة: فهي لا تهمل اي مسار للهوة الشاسعة القائمة بين الدولة والمجتمع والتي تنبع منها جذور الارهاب السياسي في العراق. وماكي تعرف النظام التكريتي كما هو في واقعه وتتعاطف بطريقة لا تتزعزع مع ضحاياه من شيعة ومن اكراد. وهي لا تؤيد العقوبات المفروضة على العراق وتكتب عنها بمشاعر هزء وغضب صائبة. ذلك ان هذه العقوبات سهلت على مستبد العراق البقاء في السلطة لانها دمرت الطبقة الوسطى والزمتها الصمت.

كان هذا سيداتي وسيداتي الجزء الاول من عرض كتبه فؤاد عجمي عن كتاب عن تاريخ العراق اصدرته ساندرا ماكي تحت عنوان "الحساب". في حلقة الغد سنقدم لكم الجزء الثاني منه حيث يطرح الناقد وجهات نظره عن الكتاب.

على صلة

XS
SM
MD
LG