روابط للدخول

خبر عاجل

مراجعة لدراسة أميركية بعنوان: هل المحطة القادمة هي بغداد؟ - الجزء الأول


لا بد من معالجة موضوع صدام، ولكن ليس على نمط الحملة الأفغانية، فالولايات المتحدة يترتب عليها غزو العراق والقضاء على نظامه الحالي، فهل سيكون العراق المرحلة الثانية في الحرب ضد الإرهاب؟ تساؤل يطرحه Kenneth Pollack – الزميل الأقدم في مجلس العلاقات الخارجية ونائب مديره لشؤون الأمن القومي، والمدير السابق لشؤون منطقة الخليج في مجلس الأمن القومي الأميركي – في دراسة بعنوان (هل المحطة القادمة هي بغداد؟) نشرتها في عددها الأخير مجلة Foreign Affairs الفصلية الأميركية. ونقدم لكم فيما يلي، مستمعينا الأعزاء، مراجعة للجزء الأول من هذه الدراسة ضمن حلقة اليوم من برنامج (في دور الفكر والنشر)، على أن نقدم مراجعة الجزء الثاني والأخير منها في حلقة الأسبوع القادم والتي ستتضمن أيضا تعليق أحد المعنيين في الشأن العراقي على ما ورد فيها من آراء.

يقول Pollack إن سياسة الولايات المتحدة الخارجية – مع تراجع حدة الحملة العسكرية في أفغانستان – باتت تركز اهتمامها على التدابير الواجب عليها اتخاذها مع العراق. فالصقور في واشنطن يحبذون جعل إطاحة صدام حسين المرحلة التالية في الحرب ضد الإرهاب، ويرون في استمرار العراق في تطوير أسلحة غير تقليدية تهديدا خطيرا لمصالح الولايات المتحدة القومية، ويتطلعون إلى ترجمة نجاح الحملة الأفغانية إلى حملة مماثلة في العراق.
أما المسالمون فيشيرون إلى الصعوبات الكامنة في مثل هذه العملية وإلى عدم ظهور أية أدلة تربط بين صدام حسين واعتداءات العام الماضي على الولايات المتحدة، ويحبذون سياسة أميركية تجاه العراق تستند إلى إحياء مهمة مفتشي الأمم المتحدة في العراق وإلى إعادة تنشيط سياسة احتوائه.

--- فاصل ---

ويعتبر Pollack توجهات كلا الجانبين بأنها تتسم بالصواب الجزئي وبالأخطاء الجزئية أيضا، فهو يعتبر الصقور مخطئين في تصوير المشكلة على أنها خطيرة وعاجلة للغاية وعلى أنها مرتبطة بالنشاط الإرهابي، ولكنهم محقين – بحسب الدراسة – في اعتبار صدام حسين – نتيجة ما ربما يمتلكه من أسلحة نووية – مصدر قلق لا بد من معالجته بتدابير حاسمة. غير أن الباحث يعتبر المسالمين محقين في تأكيدهم أن الحملة ضد العراق لن تشبه الحملة الأفغانية، في حين يعتبرهم مخطئين في تصورهم أن التفتيش والردع سيثنيان العراق عن سعيه وراء امتلاك أسلحة دمار شامل.
ويتوصل Pollack من خلال مقارنته الموقفين إلى أن إدارة بوش – بعد انتهائها من معالجة مصدر الخطر المتمثل في تنظيم القاعدة بقيادة أسامة بن لادن – لا بد لها من تحويل اهتمامها في اتجاه العراق. كما لا بد لها عند إذٍ من اتباع الإستراتيجية الوحيدة الكفيلة بإيجاد محرج من المأزق الحالي، ويؤكد أن الولايات المتحدة يتحتم عليها غزو العراق وإزالة النظام الحالي، والتمهيد لنظام حكم بديل يكون على استعداد لتنفيذ التزاماته الدولية وللعيش بسلام مع جيرانه.

--- فاصل ---

وينتقل Pollack في دراسته إلى ما يعتبرها نقاط الضعف في سياسة الاحتواء، ويقول إن الهدف الرئيسي منها طوال العقد المنصرم كان منع صدام – الذي يصفه بالمعتدي المتمرس – من إعادة تكوين قوة العراق العسكرية، بما فيها أسلحته للدمار الشامل. وتطلب هذا التوجه من الولايات المتحدة وحلفائها أن يفرضوا – تحت رعاية الأمم المتحدة – مجموعة من القيود الاقتصادية والعسكرية والدبلوماسية الهادفة إلى منع صدام حسين من العودة إلى زعزعة استقرار إحدى أهم مناطق العالم الإستراتيجية.
ويرى الباحث أن هذه السياسة حققت أغراضها بشكل جيد ولفترة تجاوزت توقعات معظم الناس، غير أنها بدأت في التفكك خلال السنوات القليلة الماضية. فلقد توقفت أعمال التفتيش عن أسلحة صدام حسين المحظورة منذ فترة طويلة، وتناقص عدد الدول الملتزمة بقيود وضوابط الأمم المتحدة، وتزايد عدد الذين سئموا محاولة إرغام صدام حسين على الانصياع، في الوقت الذي نجحت خلاله الدعاية العراقية المشوهة في إقناع العالم بأن العقوبات الاقتصادية هي المسؤولة عن وفاة ما يزيد عن مليون شخص منذ 1991.
ويمضي Pollack إلى أن إحياء نظام احتواء فعال وثابت يتطلب تبني سلسلة جديدة من الإجراءات، إذ لا بد من رفع العقوبات الاقتصادية العامة، وإلغاء نظام العقود الحالي الذي تشرف عليه الأمم المتحدة، مع الاحتفاظ بالقيود المالية والحصار المفروض على واردات العراق العسكرية. ولا بد أيضا – بحسب الدراسة – من فرض غرامات صارمة على المخالفين ووضع ترتيبات مسبقة تتيح للولايات المتحدة استخدام القوة من أجل فرض الانصياع. إلا أن محاولة فرض هذه الترتيبات سرعان ما سيصطدم بمعارضة دولية ساخنة، ما سيقوض مساعي أميركا الدبلوماسية قبل نجاحها في التأثير الملموس على صدام حسين بفترة طويلة.

--- فاصل ---

أما مساوئ سياسة الردع – بحسب الدراسة – فتتمثل في كونها ستترك القيود المفروضة على العراق منذ نهاية حرب الخليج تتلاشى تماما، مع اعتمادها الكلي على التهديد بتدخل أميركي لمنع صدام حسين من العدوان في المستقبل. ويضيف Pollack أن مثل هذا التوجه ربما يلقى ترحيبا خارج الولايات المتحدة، إلا أنه يتطلب قبول مجازفة مخيفة، فليس أكيدا أبدا إن كان صدام حسين سيرتدع لمدة طويلة. فمن المحتمل مثلا – استنادا إلى الدراسة – أن يحاول صدام غزو الكويت ثانية، ويتحدى الولايات المتحدة على طرده منها في الوقت الذي تدرك فيه أنها ربما ستتورط في مواجهة نووية. ويحذر الباحث من أن ترك صدام حسين ليتمكن من الحصول على الأسلحة النووية – مع الاعتماد على النجاح في ردعه هذه المرة أيضا – لا يمكن اعتباره تجربة واردة يمكن للولايات المتحدة أن تتأملها.

--- فاصل ---

أما عن خيار تدخل الولايات المتحدة عسكريا في العراق، فيعتبر Pollack الصقور محقين في تأكيدهم أن امتلاك صدام حسين أسلحة نووية سيسفر عن كارثة، وأن التخلص منه الآن أسهل من محاولات منعه من استعادة قدراته في مجال أسلحة الدمار الشامل. ولكه يحذر من أن الاعتماد على عملية أميركية محدودة كتلك التي تم تنفيذها بنجاح في أفغانستان، اعتماد غير وارد.
ويضيف أن حملة جوية مطولة على غرار عملية ثعلب الصحراء في نهاية 1998 ربما تنجح في إرغام صدام حسين على الالتزام بعقوبات الأمم المتحدة وببعض المطالب الأميركية المتواضعة. أما إخضاع صدام من خلال التهديد بإطاحته فلا يمكن الاعتماد عليه كوسيلة لإطاحته فعلا، ويذكر Pollack بأن سيطرة صدام على العراق تفوق بكثير السيطرة التي كانت تتمتع بها حركة طالبان على أفغانستان. فلقد تمكن صدام خلال عقود حكمه من القضاء على عدد لا يحصى من محاولات الانقلاب وحالات التمرد. ويذكر الباحث بأن غالبية العراقيين – إبان تحرك الكرد والشيعة ضده في أعقاب حرب الخليج – تمسكوا بالصمت، وأن عدد المنتفضين آن ذاك لم يتجاوز عشرات الآلاف، رغم الكراهية الحقيقية لصدام المنتشرة في جميع أنحاء العراق.

--- فاصل ---

استمعتم، مستمعينا الكرام، إلى مراجعة للجزء الأول من دراسة صادرة في الفصلية الأميركية Foreign Affairs للخبير في شؤون الأمن القومي Kenneth Pollack. أما الجزء الثاني من الدراسة فسوف نقدم مراجعتنا لها في حلقة الأسبوع القادم من برنامج (في دور الفكر والنشر)، وهو يتضمن إجابة الكاتب على عدد من التساؤلات عن الحملة الأميركية المحتملة ضد العراق، منها (هل ستختلف الأمور هذه المرة؟)، و(هل يعتبر الغزو الأسلوب الأفضل؟)، و(متى التحرك إن لم يكن الآن؟)

على صلة

XS
SM
MD
LG