روابط للدخول

خبر عاجل

حكاية جبة الشيخ موسى


الدشدائة والجبة من اكثر الملابس شيوعا في الشرق الأوسط. بيد ان فيهما عنصرا طبقيا. فالدشداشة تكون عادة بيضاء ويلبسها الفلاحون والفئات الفقيرة، في حين ان الجبة تكون عادة غامقة اللون ويلبسها تقليديا ابناء الطبقة الموسرة والمثقفة، وخاصة رجال الدين.

"الشعراء في اخوانياتهم" من المواضيع التي دأبت على كتابتها ونشرها في سلسلة طويلة جمعها وتفضل بنشرها الاديب والمحسن الكبير عبد المقصود خوجة بعنوان "الشعراء في اخوانياتهم". وقد لقيت السلسة تقديرا كبيرا بصوة خاصة بين الادباء والشعراء.

من طرائف هذه الاخوانيات كان ما تعلق منها بسرقة جبة احد الادباء في النجف الاشرف. فاللصوص لا يحترمون ارضا او مجلسا او احدا. كل شيء عندهم مباح. وهكذا لاحظوا وجود جبة ثمينة جيدة تلفلف بها احد علماء النجف الابرار.

كانوا شلة من العلماء والشعراء والادباء تلفلفوا جميعا بجببهم وعباءاتهم واعتمروا بعماماتهم وخرجوا عام 1931 للأحتفال بزيارة صديقهم الشاعر والاديب اللبناني موسى شرارة. اصطحبوه الى الساقية التي اعتادوا على الالتقاء عندها خارج المدينة على عادة اهل النجف الاشرف. ولشعراء النجف علاقة روحية متواصلة مع زملائهم من الادباء في بعلبك والجنوب اللبناني.

ولكن اللصوص لا يميزون بين الضيف والمضيف ولا يرعون للضيوف حقوقا خاصة. ما ان جلسوا حتى اكتشف الشيخ موسى انهم قد سرقوا عباءته وجبته وساعته. ولم يجد الصحب غير ان يلوذوا بالملاذ الطبيعي للشعراء. فانبرى الشيخ جعفر يواسي ضيفه الكريم ويلعب على اسمه موسى ويداعبه:

لم يشك "موسى" مثلما "موسى" شكا
من قوم فرعون الخبيث العاتي
مما يزيد بليتي ومصيبتي
ويهيج الأحزان والزفرات
إني فقدت ملابسي وعباءتي
وسويعتي في أحرج الأزمات
إن الثياب مصيرها ومآلها
نحو الفناء بأقرب الأوقات
من كان مثلك لابسا ثوب العلى
أو يعتني باللبس والبدلات؟

ثم انطلق الشيخ محمد مغنية من بعده يواصل هذه المواساة بذات الوزن والقافية:

إني اقدر من ثيابي جبتي
أذ انها سبب لحسن معيشتي
اوصيت "مهدي" ان يوسع كمها
قصدي بذلك ان يطابق ذمتي
لما انتهى الخياط قلت مفاخرا
الآن طارت في العوالم شهرتي
فرجعت اطلبها أفتش حائرا
تحت اللحاف وتحت طي الفرشة
إن الملابس يا صديقي بأسرها
فخر النساء وسلوة للصبية
يغنيك من قطع الثياب جميعها
علم واخلاق وطيب سريرة
هي للنفوس الطاهرات سلامة
في هذه الدنيا ويوم البعثة

كان بين الحاضرين ضيف آخر من لبنان هو الشيخ حسين شكر البعلبكي، الذي راح هو الآخر يواسي صاحبه:

أدهى النوائب والمصائب قصتي
سرقت ويا أسفي الجديدة جبتي
شلت يمينك ايها اللص الذي
كدرت من دون البرية عيشتي

ولم يتمالك الضيف المنكوب غير ان يواجه خطابه هو الآخر للحرامي من زاوية فلسفية حكيمة فقال:

يا سارقي لو كان عقلك راجحا
وفهمت ما معنى الحياة الحقة
لسرقت روح المفسدين وطهرت
كفاك من رجس المنافق بلدتي

وما أطيب وأصدق الشاعر في كلماته الحكيمة هذه. وهو في تلك الايام والاعوام من ايام الخير رعاها الله من ايام.

التفاصيل في الملف الصوتي.
XS
SM
MD
LG