روابط للدخول

خبر عاجل

وثيقة السلم المجتمعي.. رقم آخر بين المبادرات أم أمل يُرتجى!


نواب عراقيون يصلون على روح زميل لهم قتل في تفجير
نواب عراقيون يصلون على روح زميل لهم قتل في تفجير

تجتاح المنطقة عموما والعراق بصفة خاصة موجة من الغلو والتطرف تهدد وجود دول اتسمت بتعايش مكوناتها على امتداد سنين طويلة. وفي العراق اكتسب هذا الخطر شكل عنف طائفي لم يعرف العراقيون مثيلا له في السنوات التي اعقبت الاحتلال وخاصة من 2005 الى 2008. وكان المظهر الأشد تطرفا لهذا العنف صعود تنظيم القاعدة الذي استقدم النظام السابق اعدادا غير معروفة من عناصره قبل الغزو.

وتلقى تنظيم القاعدة في العراق ضربات قصمت ظهره بتضافر جهود القوى الأمنية ومجالس الصحوة حتى ان خطر هذا التنظيم انحسر الى مستوى الازعاج الآيل الى الزوال. ولكن تعثر العملية السياسية وما اقترن بها من محاصصة اقر السياسيون أنفسهم بافلاسها وتردي العلاقات الوطنية خلال السنوات اللاحقة ، أوجدت كلها بيئة صالحة لعودة التطرف الذي اتخذ هذه المرة شكل تنظيم الدولة الاسلامية "داعش". واستغل هذا التنظيم مشاعر التهميش والاقصاء التي سادت اوساطا واسعة في المناطق ذات الأغلبية السنية في محاولة لنشر سمومه وتقويض اركان التعايش بين العراقيين. واصبح معروفا للداني والقاصي ان داعش يقتل على اساس الهوية والمذهب والجنس ولا يمت بصلة الى القيم الانسانية التي أقرتها الشرائع السماوية والوضعية. وبلغ تهديد داعش للدولة العراقية وتعايش مكوناته ذروته باجتياح مناطق واسعة منذ عام بينها مدن كبيرة مثل الموصل. ورغم الضربات التي تلقاها داعش في بعض المناطق مثل طرده من تكريت مركز محافظة صلاح الدين فانه تمكن من السيطرة على مدن اخرى أهمها مؤخرا مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار التي تشكل نحو ثلث مساحة العراق.

وفي مواجهة التحدي الوجودي الذي يمثله داعش شُكلت قوات الحشد الشعبي لاسناد الجيش. ولكن انعدام الثقة بين ممثلي المكونات المختلفة وبعض الانتهاكات التي شهدتها تكريت بعد تحريرها أثارت جدلا جديدا حول دور ميليشيات منضوية في قوات الحشد الشعبي.

في هذه الأجواء أطلقت لجنة الأوقاف والشؤون الدينية في مجلس النواب مبادرة باسم "وثيقة السلم المجتمعي" هدفها مكافحة التطرف في السياسة أو الخطاب الديني. وتتضمن الوثيقة الخطوط العامة لبرنامج يهدف الى تحريم استخدام القوة أو العنف بأي شكل لأخذ الحقوق ، والاعتماد على الدستور ، والتداول السلمي للسلطة ، والاصلاح الوطني ، واعلاء الهوية الوطنية العراقية على سائر الانتماءات الثانوية الأخرى ، سواء أكانت مناطقية أو طائفية أو عشائرية.وقالت اللجنة ان هذه البنود تهدف الى عزل المتطرفين والارهابيين على المستويات السياسية والعسكرية فضلا عن الخطاب الديني. ومن اهداف المبادرة التي اعلنتها اللجنة تأسيس ثقافة التعايش السلمي واحترام الهويات وبناء السلم والمحبة والابتعاد عن لغة الكراهية والعنف.

والتقى اصحاب مبادرة السلم الاجتماعي في اطار تحركهم لانجاحها مع ممثلين عن سائر مكونات الشعب العراقي وطوائفه ومؤسسات الدولة للمساهمة في تطوير المبادرة وإعداد النص النهائي لوثيقة السلم المجتمعي.

اذاعة العراق الحر التقت رئيس لجنة الأوقاف والشؤون الدينية النائب عبد العظيم العجمان الذي أكد ان دافع المبادرة هو الاحساس بالخطر الداهم من استخدام العنف وسيلة لتسوية النزاعات السياسية وضرورة تحريمه كشرط لا غنى عنه لتحقيق السلم الأهلي الذي لم يعرفه العراق منذ الغزو الاميركي عام 2003 بل كل ما عرفه العراقيون خلال هذه السنوات هو المحاصصة سيئة الصيت ، بحسب العجمان.

واكد العجمان ان شؤون المحاصصة وتقاسم الحقائب الوزارية والمناصب الرفيعة الأخرى بين الكتل السياسية المختلفة بعيدة عن هموم المواطن الاعتيادي الذي لا يريد سوى الأمن والعيش الكريم ، وهذان لا يتوفران له إلا بضمان السلم الأهلي ورصد موارد الدولة المالية لتحسين ظروف المعيشة بدلا من انفاقها على الأمن بسبب الصراع الطائفي ، على حد تعبير العجمان.

ودعا العجمان المواطنين الى التحرك لحمل السياسيين على تحقيق أمانيهم في الأمن والوئام والسلم الاجتماعي بعد ان اتخذ الصراع الطائفي مظاهر غير مقبولة بتوظيف سرديات تاريخية في استعداء طائفة على أخرى ، كما يتضح مما تتداوله مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنت.

ورأى رئيس لجنة الأوقاف والشؤون الدينية عبد العظيم العجمان ان العراق اليوم ساحة صراعات اقليمية ودولية تنخرط فيها قوى مختلفة من ايران والولايات والسعودية الى قطر وتركيا والاردن داعيا الى الحوار مع هذه الدول في اطار آليات تنفيذ مبادرة السلم المجتمعي على الأرض ، ومن هذه الآليات محليا التفاهم مع وزارة التربية على إعداد مناهج تغرس روح التسامح ونبذ العنف منذ المراحل الدراسية الابتدائية ، ودور مؤسسات التعليم العالي ومنظمات المجتمع الدولي والجهات المسؤولة عن ملف المصالحة الوطنية حيث سيتوجه "سفراء" باسم المبادرة اليها جميعا للتباحث عما يمكن ان تساهم به في المبادرة ونجاحها.

وعما إذا كان للمبادرة بعد دولي أو اقليمي شدد العجمان على أهمية الانطلاق من الداخل حيث ستُطرح الوثيقة على المواطنين والمجتمع عموما ثم البرلمان وبعد ذلك يمكن التحرك على الخارج.

القس مارتن هرمز داود مدير شؤون المواطنين في الوقف المسيحي أكد لاذاعة العراق الحر ان الأقليات أحوج ما تكون الى السلم المجتمعي الذي أُطلقت من أجله المبادرة وخاصة المواطنين المسيحيين نظرا الى وضع هذه الأقليات المهددة بوجودها في العراق اليوم وافراغه من مكون اساسي عن طريق الهجرة موضحا ان الأمان الذي ينشده المواطن من هذه الأقليات هو ليس الأمان الذي يتوفر له بانتشار دوريات الشرطة في الشوارع والحراسات الأمنية حول دور العبادة بل الأمان الذي يشعر به في مجتمعه وبين جيرانه.

ورحب القس داود بمبادرة السلم المجتمعي مشددا على أهميتها وضرورة خروجها من دائرة النقاشات والمناظرات الى الترجمة العملية على ارض الواقع مع دعمها بالتشريعات المناسبة لكي تكتسب قوة القانون.

الأكاديمي والناشط المدني حيدر زوير الذي شارك في اجتماعات لجنة الأوقاف والشؤون الدينية ممثلا عن الجامعات ومنظمات المجتمع المدني نوه بأن هدف مبادرة السلم المجتمعي هو انقاذ سفينة العراق من الغرق في بحر الصراعات الطائفية بمشاركة واسعة من المجتمع في عملية الانقاذ هذه لأن العراقيين جميعا هم ركاب هذه السفينة.

ولفت الأكاديمي زوير الى ان بلورة وثيقة السلم المجتمعي ما زالت تحتاج الى عمل لا سيما وانها حددت لنفسها اهدافا طموحة ، بما في ذلك تغيير المناهج المدرسية لتربية النشئ الجديد على روح المحبة والتعايش وتشجيع التصاهر بين الطوائف واشاعة التسامح والحفاظ على التنوع المجتمعي بوصفه عامل قوة وتلاحم وليس مصدر فرقة وانقسام.

أكدت رئيسة بعثة الاتحاد الاوروبي في العراق السفيرة يانا هيباشكوفا دعم الاتحاد الاوروبي لمبادرة السلم المجتمعي التي أطلقتها لجنة الأوقاف والشؤون الدينية في مجلس النواب. واصدرت البعثة بيانا دعت فيه جميع الأطراف من قادة المجتمع وشيوخ العشائر والمؤسسات الاعلامية والمجتمع المدني لمكافحة التطرف.

مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي ساهم في اعداده مراسل اذاعة العراق الحر أياد الملاح.

please wait

No media source currently available

0:00 0:13:47 0:00
رابط مباشر

XS
SM
MD
LG