روابط للدخول

خبر عاجل

عام2014: السياسة الخارجية الاميركية في مواجهة سلسلة من الازمات


بقلم: Carl Schreck

واشنطن: واجهت السياسة الخارجية لإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما خلال عام 2014 سلسلة من الأزمات جعلتها تسارع إلى استنفار قواتها العسكرية والاقتصادية من أجل إخماد حرائق حول العالم.

فحين استولى مسلحو (داعش) على مدينة الفلوجة العراقية في كانون الثاني2014، وصف الرئيس الأميركي باراك أوباما هؤلاء بأنهم يشكلون (الفريق الثانوي) بالمقارنة مع اللاعبين الرئيسيين التابعين لتنظيم القاعدة.http://www.newyorker.com/magazine/2014/01/27/going-the-distance-2?currentpage=all

ولكن بعد مرور ستة أشهر اجتاح مسلحو(داعش) ثاني أكبر مدينة في العراق: الموصل، وما زالوا يسيطرون عليها. وبعد ذلك بثلاثة أشهر تعهد أوباما بالقضاء على (هؤلاء الإرهابيين المتميزين بوحشيتهم) وحذر من أنهم يشكلون تهديدا على الولايات المتحدة (لو تركوا دون رادع).

وجاء صعود هذا التنظيم المتطرف السريع المفاجئ ليشكل إحدى الأزمات التي واجهتها السياسة الخارجية لإدارة أوباما خلال عام 2014،

ومنها الحرب الساخنة في أوكرانيا، وبوادر حرب باردة جديدة مع روسيا، والحرب الأهلية والأزمة الإنسانية المستمرتين في سورية، والطريق المسدود أمام العلاقات الإسرائيلية – الفلسطينية.

وقال المسؤول السابق في وزارة الخارجية الأميركية (ديفد كريمر) في حديث مع الإذاعة:

((بشكل عام أوجدت هذه السنة انطباعا بأن الإدارة محاصرة وتواجه صعوبات في مواجهة عدد من الأزمات، وأنها لم تظهر ما يكفي من الثقة بالنفس لإقناع الناس بأنها مسيطرة على معالجة جميع هذه الأزمات أو حتى البعض منها)).

واعتبر متابعون للسياسة الخارجية الاميركية أن عام 2014 تخلله عدد من الأزمات الدولية التي جعلت أوباما يحول جهوده عن الجبهة الداخلية، وأجبرته على تسليط القدرات العسكرية والاقتصادية الأميركية في مسعى لإخماد الحرائق في مختلف أرجاء العالم.

ويرى ريتشارد فونتين عضو مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس السابق جورج بوش الابن:

((لقد أكد الرئيس بكل وضوح بأنه يرغب في التركيز على شؤون بناء الأمة في الداخل، لكن المشكلة هي أن العالم لن يدعه – أو يدع أي رئيس آخر – المضي في ذلك بشكل يجعله يستثني العالم الخارجي)).

علاقات غريبة في سورية

جاءت نهضة متطرفي (داعش) لتعقّد تعامل أوباما مع الحرب الأهلية المستمرة في سورية، التي تعتبر اميركا ان رئيسها بشار الأسد قد فقد شرعيته نتيجة (قتله الآلاف من مواطنيه بلا رحمة).

كما أقر وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل في تشرين الأول المنصرم أن الأسد (يكتسب بعض المنافع) من الاستهداف العسكري الأميركي لمتطرفي (داعش) الذين يقاتلون قوات الأسد.

http://www.defense.gov/Transcripts/Transcript.aspx?TranscriptID=5530

واعلن اوباما بعد ذلك بعدة أسابيع أن واشنطن لا تفكر في التنسيق مع الأسد في محاربة (داعش)

بشار الاسد
بشار الاسد

وقال: (لا نتوقع اقامة أي شكل من أشكال التحالف مع الأسد، فهو لا صدقية له في ذلك البلد)، وأضاف أن إدارته لا تتباحث في شأن إزاحة الأسد.

. http://www.whitehouse.gov/the-press-office/2014/11/16/remarks-president-obama-g20-press-conference-november-16-2014

وكانت مسألة التوازن في المعركة ضد تنظيم (داعش) وموقف البيت الأبيض إزاء الأسد قد وردت في مذكرة أرسلها هيغل إلى مستشارة الأمن القومي سوزان رايس في تشرين الأول 2014، أعرب فيها عن (قلقه إزاء مجمل الإستراتيجية المتعلقة بسورية)، حسب ما نقلته شبكة CNN عن أحد كبار المسؤولين الأميركيين.http://www.cnn.com/2014/10/30/politics/hagel-starr-syria-memo-white-house/ وبعد شهر واحد من تاريخ المذكرة، التي اعلنت عنها نيويورك تايمز قبل أوباما استقالة هيغل وسط ما ورد من تقارير حول توتر بين وزير الدفاع واقرب مستشاري الرئيس.

حرب باردة ساخنة

سياسة (إعادة التشغيل) مع روسيا التي أطلقت خلال المرحلة الأولى من عهد أوباما كانت قد تعثرت منذ عودة الرئيس الروسي فلاديمر بوتن إلى الكرملين بعد قضائه أربع سنوات كرئيس للوزراء.

إلا أن إطاحة الرئيس الأوكرني فيكتور يانوكوفتش – حليف الكرملين – في شهر شباط 2014 وسط احتجاجات ضخمة في شوارع كييف وغيرها من مدن أوكرانيا الرئيسية، أشعلت فتيل سلسلة من الأحداث التي أدت إلى انهيار العلاقات الأميركية – الروسية إلى أدنى مستوياتها منذ نهاية الحرب الباردة.

فلقد قام الكرملين بغزو مقاطعة القرم الأوكرانية في آذار2014، واندلع القتال بين القوات الأوكرانية ومنشقين مؤيدين لروسيا تدعمهم موسكو بحسب اتهامات مسؤولين أميركيين وأوروبيين وأوكرانيين.

ومنذ نشوب النزاع بين القوات الأوكرانية والمنشقين في شهر نيسان2014 ، قُتل أكثر من 4600 شخص في شرق أوكرانيا، وشرّد النزاع أكثر من نصف مليون في الداخل وأجبر مئات الآلاف على الفرار إلى الخارج، حسب مسؤولي الأمم المتحدة.

وقامت إدارة أوباما وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي بفرض سلسلة من العقوبات على مسؤولين روس وكبار رجال ألاعمال لمعاقبة موسكو على دورها في النزاع الاوكراني.

ويقول أوباما إن هذه الإجراءات باتت تلحق ضررا كبيرا بالاقتصاد الروسي الذي شهد انهيارا في قيمة عملته وهو يواجه ركودا اقتصاديا محتملا مع تدني أسعار النفط العالمية.

غير أن بعض المشرعين الأميركيين وجهوا انتقادات للبيت الأبيض بسبب عدم اتخاذه موقفا أكثر صرامة ضد ما سموه بالعدوان الروسي يتمثل في تزويد أوكرانيا بمساعدات عسكرية فتاكة. http://www.rferl.org/content/ukraine-aid-bill-heads-to-obama/26743453.html
في المقابل، ما زال منشقون مؤيدون لروسيا يسيطرون على مقاطعتي دونتسك ولوغانسك.

وأشار استطلاع أجراه مركز ليفادا المرموق في تشرين الثاني 2014 إلى أن 85% من الروس راضون عن أداء بوتن كرئيس للبلاد. http://www.levada.ru/indeksy

مناخ مسموم

جاء انهيار مباحثات السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين في نيسان 2014ليسجل محاولة فاشلة ثانية لإدارة أوباما في تسهيل التوصل إلى اتفاق سلام دائم، فتوترت بذلك الروابط بين واشنطن وتل أبيب.

وبعد عدة أشهر من وصول المباحثات إلى طريق مسدود، شنت إسرائيل هجوما واسعا على قطاع غزة ضمن حملة من أجل وضع حد لقيام مسلحي حماس بإطلاق الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية. وقد أسفرت العملية الإسرائيلية عن مقتل أكثر من ألفي فلسطيني، معظمهم من المدنيين، كما قتل في الوقت ذاته عشرات من الجنود الإسرائيليين.

استمرت الضغوط على واشنطن كوسيط في القضيةالإسرائيلية – الفلسطينية في كانون الأول 2014 حين أعلنت السلطة الفلسطينية انها ستتوجه الى مجلس الأمن للمطالبة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية بحلول تشرين الثاني 2016 – وهي خطوة رفضتها إسرائيل.

خبر كبير

لقد حققت إدارة أوباما بعض النجاحات في سياستها الخارجية، منها التوصل الى اتفاق متميز في تشرين الثاني 2014 مع الصين على صعيد التحول المناخي. فبموجب الاتفاق ـستقوم الولايات المتحدة بخفض ما تبتعثه من غاز ثاني أكسيد الكربون بنحو 28% مع حلول عام 2025. وفي المقابل أعلنت الصين بأن تقليص انبعاثاتها الغازية ستبلغ ذروتها في عام 2030.

اوباما
اوباما

أما مفاوضات الولايات المتحدة وغيرها من القوى العالمية مع إيران في شأن برنامجها النووي فلم تنهار كليا. صحيح أن الجانبين أخفقا في التوصل إلى اتفاق شامل حول برنامج ايران النووي في 24 تشرين الثاني 2014، إلا أن الجانبين اتفقا على تمديد المفوضات إلى 1 تموز 2015.

غير أن مساعي بعض المشرعين الأميركيين إلى فرض عقوبات جديدة على طهران قد يعقد بلوغ اتفاق حول برنامجها النووي الذي تخشى القوى الغربية من حصول طهران على أسلحة نووية، بينما تؤكد إيران أن برنامجها النووي مخصص حصريا للأغراض السلمية.

مسألة إستراتيجية

واجه الرئيس أوباما انتقادات قاسية خلال عام 2014 لما وصفه معارضوه السياسيون بأن افتقار سياسته الخارجية إلى الإستراتيجية والرؤيا، فهي السياسة التي لم تحظ بموافقة 54% من الأميركيين في 9 كانون الأول 2014، بالمقارنة مع 50.7% في مطلع عام 2014، بحسب صحيفة هفنغتون بوست التي تتابع وتحدّث البيانات الواردة من 25 مؤسسة لاستطلاعات الرأي.http://elections.huffingtonpost.com/pollster/obama-job-approval-foreign-policy

وكانت انتقادات كثيرة قد صدرت عن مشرعين جمهوريين ـ وهو أمر لا يثير الاستغراب ـ إلا أن بعض المسؤولين المنتمين إلى حزبه شاركوا في التساؤلات حول توجهاته في معالجة الأزمات العالمية.

فبعد أن أطلع السيناتور الديمقراطي آل فرانكن الصحافيين في أيلول (بأنه ليست لدينا إستراتيجية لحد الآن) لمحاربة المتطرفين في سورية، بعث برسالة إلى المدعي العام أرك هولدر عبر فيها عن قلقه إزاء ذلك التصريح.http://www.franken.senate.gov/files/letter/140903DOJISIL.pdf

أما البيت الأبيض فلقد وضع في نهاية الأمر ما وصفه بإستراتيجية (لتقويض وتدمير) مقاتلي (داعش)، وهي تقتضي شن موجات من الغارات الجوية على "الجهاديين" في كل من العراق وسورية، ونشر ما يريد عن 3000 جندي في العراق.

وجاء ذلك بمثابة عودة دراماتيكية إلى إشراك القوات العسكرية الأميركية في العراق، صادرة عن رئيس كان قد وفى بوعد قطعه خلال حملته الانتخابية في 2011، حين أعلن انهاء الحرب التي قادتها الولايات المتحدة في العراق وأعاد الجنود الأميركيين إلى بلادهم بعد قرابة عقد من العمليات هناك.

ودأب أوباما على طمأنة الأميركيين المنهكين من الحروب بأن القوات العسكرية الأميركية في العراق ستلعب دورا استشاريا مع القوات المحلية ولن يتم إقحامها في القتال.

وقال ريتشارد فونتين لإذاعة اوروبا الحرة إن تردد أوباما في التحرك بإقدام في عدد من الجبهات السياسية – بما في ذلك ما وصفه بـ(التسليح المجدي للمنشقين السوريين) وقوة متبقية في العراق – يمكن تتبع جذورها إلى حذره تجاه سياسات سلفه، بحسب تعبير فونتين.

أما إن كانت السنتين الأخيرتين من ولاية أوباما ستتيح له فترة من الراحة على جبهة السياسة الخارجية فسوف يبقى أمرا مبهما.

وقال وزير الدفاع تشاك هيغل في حوار سياسي تلفزيوني قبل أسبوع واحد من إعلان استقالته من منصبه:

((أكثر ما يزعجني ويقلقني هو إن كنا ـ قادتنا ونحن جميعنا ـ سنتمكن من اجتياز هذه المرحلة الصعبة الحاسمة؟ فلقد قلت للرئيس منذ فترة ليست بطويلة:لا أعرف عن فترة مرت برئيس للولايات المتحدة تفوق في صعوبتها هذه الفترة التي يترتب عليه تجاوزها في قيادة البلاد.

XS
SM
MD
LG