روابط للدخول

خبر عاجل

مسيحيو العراق بين التشبّث بموطنهم والبحث عن ملاذ آمن


رجال دين مسيحييون في كركوك يصلون للسلام في العراق
رجال دين مسيحييون في كركوك يصلون للسلام في العراق

تتواصلُ محنةُ مسيحيي العراق في الوقت الذي تتزايدُ أعداد العائلات النازحة باتجاه مناطق أكثر أماناً في شمال البلاد وتُكثّف السلطاتُ إجراءات حماية الكنائس خلال الفترة التي تسبق أعياد الميلاد ورأس السنة المقبلة.

وفي إطار هذه الإجراءات المشددة، أُعلن في بغداد السبت أن الأجهزة الأمنية اعتقلت أفراد المجموعة الإرهابية التي يُشتبه في أنها خططت للاعتداء على كنيسة سيدة النجاة في وسط بغداد الشهر الماضي ما أسفر عن مقتل نحو 70 شخصاً وإصابة 75 آخرين بجروح.

وفي إعلانه ذلك، صرح ناطق باسم وزارة الداخلية بأن اثني عشر عنصرا من هذه المجموعة اعتُقلوا ضمن الجهود التي تبذلها الأجهزة الأمنية لتعقّب المتورطين في الهجوم على الكنيسة دون ذكر تفصيلات أخرى، بحسب ما نقلت عنه شبكة (سي.أن.أن) الإخبارية.

فيما نسبت وكالة رويترز للأنباء إلى اللواء أحمد أبو رغيف المدير العام للشؤون الداخلية في وزارة الداخلية تأكيده إلقاء القبض على 12 من أعضاء القاعدة بينهم زعيم التنظيم في بغداد حذيفة البطاوي. وأضاف أن القوات الأمنية قتلت أيضا أبو عمار النجادي أحد قادة ما تُعرف بـ(دولة العراق الإسلامية) التابعة للقاعدة وضبطت 6.5 طن من المتفجرات كان من المقرر أن تُستخدم في هجمات على إحدى الوزارات وفنادق ومسيحيين.

وكان هذا التنظيم أعلن مسؤوليته عن الهجوم على الكنيسة متوعداً بشنّ مزيد من الهجمات ضد المسيحيين، سواء في داخل العراق أو خارجه ومهدداً باستهداف كنائس في مصر.

وفي عرضها لتصريحات المسؤول الأمني العراقي، أشارت رويترز إلى هجماتٍ أخرى أعقَبت الاعتداء على المصلّين في كنيسة سيدة النجاة يومَ الأحد الأخير من تشرين الأول وأسفرَت عن مقتل ثلاثة مسيحيين وإصابة عشرات آخرين في مناطق متفرقة من بغداد خلال الشهر الحالي. وأفاد التقرير بأن عدد مسيحيي العراق بلغ ذات يوم نحو مليون ونصف المليون شخص من بين إجمالي سكان البلاد البالغ نحو 30 مليون نسمة، ولكن العديد منهم نزحوا خلال الأعوام الماضية.

فيما ذكرت (سي.أن.أن) أن عدداً كبيراً من المسيحيين الذين تحدثَت إليهم أخيراً أعربوا عن خشيتهم على حياتهم مشيرين إلى رغبتهم في مغادرة العراق. وفي المقابل، دعا العديد من المسؤولين الكنَسيين والحكوميين أفراد هذا المكوّن العراقي الأصيل إلى البقاء في بلادهم والتشبّث بموطنهم الأصلي.

ظاهرةُ نزوح العراقيين كانت أيضاً محور أحدث تقرير إعلامي نُشر في الولايات المتحدة السبت تحت عنوان (مشاكل العراق تدفع اللاجئين العائدين إلى النزوح). وجاء في التقرير المنشور على صفحات جريدة (نيويورك تايمز) بقلم جون ليلاند:

"أن هجرة جماعية ثانية بدأها العراقيون الذين عادوا بعد الفرار من المجازر في ذروة الحرب، ولكنهم وجدوا أن العنف وانعدام فرص العمل يدفعانهم مرةً أخرى إلى خارج الوطن."

ويشير التقرير إلى إحصاءاتٍ للحكومة العراقية والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة تُظهر عودةَ نحو مائة ألف لاجئ منذ 2008 وذلك من بين أكثر من مليونين كانوا غادروا البلاد منذ الغزو. لكن العديد من هؤلاء العائدين نتيجة تحسّن الوضع الأمني أو عدم حصولهم على أعمال في الخارج يشعرون بأن "وطنهم لا يزال غير ممهّد بعد إذ أن منازلهم دُمّرت أو تم الاستيلاء عليها، والأحياء التي يسكنونها غير آمنة، والفرص المتوافرة أمامهم ضئيلة."

وأضافت الصحيفة أنه "بينما يناضل العراق من أجل استعادة الاستقرار، يُجازف هؤلاء العائدون بالتحوّل إلى مواطنين بلا بلد ونازحين داخلَ وطنهم وخارجه. ورغم تراجع أعداد المغادرين منذ 2008، فإن الموجة الأخيرة من الهجمات ضد المسيحيين أدت إلى هجرة جماعية جديدة"، بحسب تعبيرها.
الباحث في الشؤون الاستراتيجية د.عماد رزق

وفي تحليله لأسباب استهداف المجموعات الإرهابية للعراقيين الآمنين من جميع الأديان والطوائف ما يؤدي إلى خروجٍ جديد للسكان من وطنهم، قال الباحث في الشؤون الإستراتيجية الدكتور عماد رزق لإذاعة العراق الحر الأحد "إن أي تفريغ للمناطق العراقية سواء كان في الجنوب أو في الشمال أو في الوسط سوف يعرّض هذه المناطق إلى الصراع وإلى الدخول في الحالة المذهبية، وأعتقد أن ما تقوم بها مجموعات الجريمة المنظّمة من فَرزٍ سكاني وديموغرافي هدفُه إعلان دولة العراق الإسلامية وبالتالي تفكيك حلم وحدة العراق..."

وفي إجابته عن سؤال يتعلق بالإجراءات الأمنية المطلوبة لملاحقة هذه المجموعات، أشار رزق إلى أهمية توجّه السلطات "نحو تعزيز القدرة الاستعلامية ومراقبة شبكات الجريمة المنظّمة والحدود فضلا عن تشديد المراقبة على توزيع الأموال والأشخاص الذين يقدّمون المساعدة اللوجستية لهذه المجموعات سواء أكانت مجموعات تأتي من الخارج أو مجموعات مغرّر بها من الداخل...."

في غضون ذلك، أفاد أحد المسؤولين المحليين في شمال البلاد بأن عشراتٍ من العوائل المسيحية تنزح يومياً بحثاً عن ملاذٍ آمن، وخاصةً في المحافظات الشمالية. وقال رئيس مجلس قضاء تلكيف بشار حميد الكيكي في مقابلة أجراها معه مراسل إذاعة العراق الحر في دهوك عبد الخالق سلطان إن هؤلاء النازحين، وعددهم نحو أكثر من خمسين عائلة مسيحية، لجأوا خلال الأيام الأخيرة إلى القرى والقصبات التابعة لقضاء تلكيف.
جانب من مؤتمر الحمدانية للاقليات


وتوقّع الكيكي ارتفاع هذه الأعداد موضحاً أن العديد من أفراد العوائل المسيحية يأتون يومياً إلى قضاء تلكيف "وفي نيتهم عدم العودة إلى مناطق سكناهم الأصلية خشيةَ التعرّض لعمليات إرهابية."

كما أيّد رئيس قضاء تلكيف اقتراح إنشاء منطقة خاصة بالمسيحيين في سهل نينوى باعتباره من "أفضل الحلول"، على حد وصفه. وأعرب عن اعتقاده بأنه في حال عدم تشكيل مثل هذه المنطقة الآمنة فإن "لا مفرّ أمام المسيحيين سوى الهجرة إلى الخارج وبالتالي تفريغ العراق من أحد المكوّنات الأصيلة وهذا ما لا ينبغي حدوثه"، بحسب تعبيره.

من جهته، دانَ فرهاد كجان عضو مجلس ناحية فايدة المتاخمة لمحافظة دهوك عمليات الإرهاب التي استهدفت المسيحيين في العراق، موضحاً أن أبناء الناحية "قدّموا مساعدات مادية ومعنوية كبيرة للنازحين في السنوات الماضية"، ومتعهداً بمواصلة تقديم جميع التسهيلات القانونية والإدارية التي هم بأمسّ الحاجة إليها.

أما الناطقة باسم إدارة المعلومات في المنظمة الدولية للهجرة – مكتب العراق ديانا مولّى فقد أوضحت لإذاعة العراق الحر أن عدد النازحين المسيحيين بلغ نحو عشرة آلاف عائلة أو ما يقدّر بنحو ستين ألف فرد غادرَ معظمهم مناطق سكناهم في العاصمة بغداد ونزحوا إلى أماكن أكثر أماناً في محافظات أربيل والسليمانية ودهوك ونينوى.

وفي مقابلةٍ أُجريت عبر الهاتف، ذكرت مولّى أنه لوحظ ارتفاع عدد النازحين خاصةً بعد الاعتداء على كنسية سيدة النجاة في بغداد. وأجابت عن أسئلة أخرى تتعلق باحتياجات وأعداد العائدين من مختلف الأديان والطوائف إضافةً إلى الأوضاع الحالية لسكن العائلات العائدة.

مزيد من التفاصيل في الملف الصوتي الذي يتضمن مقابلتين مع الباحث في الشؤون الإستراتيجية د. عماد رزق، والناطقة باسم إدارة المعلومات في المنظمة الدولية للهجرة – مكتب العراق ديانا مولى، ومتابعة من مراسلنا في دهوك عبد الخالق سلطان.
  • 16x9 Image

    ناظم ياسين

    الاسم الإذاعي للإعلامي نبيل زكي أحمد. خريج الجامعة الأميركية في بيروت ( BA علوم سياسية) وجامعة بنسلفانيا (MA و ABD علاقات دولية). عمل أكاديمياً ومترجماً ومحرراً ومستشاراً إعلامياً، وهو مذيع صحافي في إذاعة أوروبا الحرة منذ 1998.
XS
SM
MD
LG