روابط للدخول

خبر عاجل

منذ 2003 وضحايا قطع ألآذان ووشم الجباه ينتظرون الرعاية والدعم والتعويض


أكثر من 3500 مواطن هم ضحايا أحدى القرارات الكثيرة الجائرة لمجلس قيادة الثورة المنحل بقطع آذان الفارين من الخدمة العسكرية ووشم جباهم. وبعد أكثر من ست سنوات على اسقاط نظام صدام ورغم الوعود التي قطعتها الحكومة ما زال ضحايا ذلك القرار بانتظار ما وعدوا به من دعم وتعويض.

"بلد مرعب لمن يعيش فيه"، بهذه العبارة تصف المنظمات المعنية بالدفاع عن حقوق الإنسان وكذلك المجتمع الدولي وضع العراق قبل العام 2003 ، بسبب ما كان يلاقي المواطن من شتى أنواع الانتهاكات وأبشعها على يد أجهزة النظام القمعية، ذلك النظام الذي سخّر كل مؤسساته وأجهزته لا لبناء البلد وخدمة المواطن، بل لقمع الشعب واضطهاده. كما كان العراق يوصف بانه صاحب سجل اسود في ما يخص حقوق الإنسان، اذ كانت سمة الحياة فيه حملات الاعتقال، والسجن والتعذيب والقتل والإعدام، والمقابر الجماعية وألاسلحة الكيميائية، والاستهزاء بكل القوانين والمعاهدات والمواثيق الدولية وحتى بدستور وقانون العراق.

ومنذ 2003 وضحايا ذلك النظام يتحدثون عن الانتهاكات التي تعرضوا لها، وفي حلقة هذا الاسبوع من حقوق الانسان في العراق نسلط الضوء على القرار رقم 115 وهو واحد من القرارات الجائرة التي أصدرها مجلس قيادة الثورة المنحل والقاضي بقطع الأذن كاملة أو جذع صوانها والوشم على الجباه كعقوبة تطبق على كل جندي فار من الخدمة العسكرية. قرار راح ضحيته أكثر من 3500 مواطن، منهم من قطعت إحدى أذنيه أو الاثنتين ومنهم من أضيفت إلى تلك العقوبة وشم جبينه كل ذلك للحط من كرامته. قرار حول الأطباء وملائكة الرحمة إلى "جزارين" والمستشفيات إلى مراكز تشويه وإعاقة، وبعد إن يتأكد الفريق الطبي "نجاح العملية" ينقل الضحية لا إلى مركز رعاية طبية بل يسجن لأشهر لإكمال عقوبته ويتعرض خلالها للضرب والسخرية والتعذيب، ولا تنتهي محنة ذاك الجندي بعد إطلاق سراحه، بل تستمر لتبدأ المشاكل النفسية والاقتصادية والاجتماعية، حيث صعوبة الحصول على فرصة عمل، ورفض المرأة الزواج من شخص بدون إذن أو يحمل وشما على جبينه تشير حسب القرار الرسمي الى انه (جبان وخائن)، وبالتالي اضطر العديد من هؤلاء للبقاء في منازلهم يعانون من الإحباط والعزلة بسبب استهزاء ونفور الآخرين وشعور هؤلاء الضحايا بأنهم منبوذون اجتماعيا.

مراسل إذاعة العراق الحر في البصرة (ربيع البصري) التقى عدداً من الذين كانوا ضحايا تلك الجريمة. المواطن حسين محمد واحد من بين 450 شخصا تعرضوا الى هذه العقوبة في البصرة تحدث عن تفاصيل عملية إلقاء القبض عليه وقطع صوان إذنه وكيف ان احد رفاقه فارق الحياة أثناء تنفيذ العقوبة:

"كنت متخلفاً عن الالتحاق بالخدمة العسكرية، ومسؤول الفرقة الحزبية في المنطقة التي أسكن فيها كان يعلم بالأمر. وذات يوم اقتحم المنزل برفقة عدد من الرفاق واقتادوني الى مقر فرقة الحزب، وفي اليون نفسه تم نقلي الى مركز شرطة منطقة البصرة القديمة، وبعد ساعات نقلت الى مقر قوات الطوارئ، وبعد ان تعرضت الى الضرب والتعذيب تم اقتيادي بعد يوم الى مستشفى البصرة العام الذي كان يطلق عليه المستشفى الجمهوري. "

وبعد تنفيذ العقوبة في المستشفى هل تم اخلاء سبيلك؟

"لا لقد بقيت قيد الاعتقال لمدة 3 سنوات وكان معي في السجن نحو 150 جندياً جميعهم تعرضوا الى عقوبة قطع صوان الاذن. ولدى تنفيذ العقوبة في المستشفى كان معي 6 جنود وانا تمكنت من مشاهدة الطبيب الذي نفذ العقوبة، وكان مغلوباً على امره، حيث قام بتوثيق يدي واعطاني جرعة مخدرة حينها فقدت الوعي وعندما استفقت وجدت ان احدى اذني لم تعد في مكانها كما ان احد الجنود فارق الحياة اثناء تنفيذ العقوبة."

يعتبر قاسم الجيزاني نفسه محظوظاً لان العقوبة التي تعرض لها عام 1994 اقتصرت على قطع صوان إحدى أذنيه، دون وشم جبينه في حين ان شقيقه الأكبر تعرض الى العقوبتين في آن واحد، ولفت الجيزاني الى ان العديد من الضحايا اقدموا على الانتحار لعدم قدرتهم على تجاوز الأزمات النفسية بعد تنفيذ العقوبة

"أنا كنت ضمن آخر وجبة تعرضت الى عقوبة قطع صوان الاذن وفق القرار 115 وقد تم اعتقالي في بغداد وأنا في طريق الالتحاق بوحدتي العسكرية عندما فوجئت بوجود سيطرة قام عناصرها باعتقالي، وحينها كنت في حالة غياب وليس هروب، لكنهم ارسلوني الى وحدتي العسكرية في مقر الفيلق الثاني، وعرضت على لجنة عسكرية قررت معاقبتي وفق القرار 115 وتم تقييد يدي، ثم اقتيادي الى المستشفى برفقة 16 جنديا،ً ولدى الوصول الى المستشفى قاموا بوضع كمامات الاوكسجين على افواهنا، ثم قاموا بتخديرنا بشكل كامل وعندما أفقت بعد ساعتين وجدت رأسي معصوباً بالضماد ولاحظت وجود صوان الاذن الذي تعرض الى الاستئصال في جيب قميصي وبشكل غير ارادي قمت بازالة الضماد وشاهدت وجهي في المرآة حينها تعرضت الى صدمة نفسية عنيفة وبعد ان تأكد الفريق الطبي الذي نفذ العقوبة ان حالتنا مستقرة تم نقلنا الى سجن سرية الانضباط التابعة الى الفيلق الثاني، وبقيت هناك نحو 3 اشهر بعدها نقلت الى سرية مقر الفيلق الثاني وسجنت فيها لمدة 6 اشهر، ونقلت لاحقاً الى اصلاحية جلولاء ومنها اطلق سراحي بعد مرور سنتين من المعاناة والاضطهاد تعرضت خلالها الى التعذيب، وسوء المعاملة، وبعض ضحايا القرار اقدموا على الانتحار داخل السجن ومنهم من انتحر بعد اطلاق سراحه، وبالنسبة لي لم اغادر المنزل بعد اطلاق سراحي لمدة 6 أشهر لاني كنت اواجه مشاكل نفسية"

هل تعرض احد افراد عائلتك الى العقوبة نفسها؟

"نعم شقيقي رسول تعرض الى العقوبة نفسها في المستشفى التعليمي وهو من مواليد 1968 وتم اعتقاله في محافظة البصرة."

على مايبدو ليست هناك ضوابط محددة يتم اعتمادها لدى تنفيذ العقوبة لان البعض تعرض الى قطع صوان احدى الاذنين، والبعض الاخر الى قطع الاذنين معا، وهناك من تعرض الى جذع صوان الاذن وفي الوقت نفسه تم وشم جبينه بكلمات سيئة من قبيل خائن وجبان؟

"التنفيذ كان يجري على أساس اجتهادات الاطباء، لكن العقوبة كانت تقضي باخضاع الجندي الهارب مرتين الى قطع اذنيه ووشم جبينه، والهارب مرة واحدة يقطع صوان احدى اذنيه ووشم جبينه، ولكن بعض الاطباء كانوا يقتصرون على قطع صوان الاذن من دون الوشم على الجباه."

الوضع النفسي والإحباط من الأسباب التي منعت العديد من الضحايا من العيش بصورة طبيعية بل أدت هذه العقوبة إلى تدهور أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية، وبعد سقوط نظام صدام أمل العديد أن تنتبه الحكومة الجديدة بمؤسساتها إضافة إلى منظمات المجتمع المدني لهم ورعايتهم ومساعدتهم وتعويضهم. وفعلا صادق البرلمان على الدستور الجديد الذي يحتوي بين فقراته مواد تؤكد على رعاية وتعويض ضحايا نظام صدام، إضافة إلى تأسيس العديد من الهيئات والمؤسسات لتقديم الدعم والرعاية، لكن الجيزاني عبر عن استغرابه من عدم تحرك الحكومة العراقية باتجاه تعويض الأشخاص الذين تعرضوا الى هذه العقوبة. وأشار إلى إن القرارات المتعلقة بتعويض هذه الفئة ماتزال حبرا على ورق، في حين حصلت فئات أخرى على تعويضات وامتيازات عديدة خاصة السجناء السياسيين وذوي الشهداء السياسيين:

"الأوضاع التي يعيشها ضحايا هذه العقوبة سيئة للغاية، بعضهم يعمل حالياً في مجال البناء بأجر يومي وبعضهم يبيع السلع الرخيصة على الارصفة وبعضهم تمكن من العودة الى صفوف الجيش في غضون السنوات القليلة الماضية، لكن القسم الاكبر منهم عاطل عن العمل والحكومة صادقت على قرار لتعويضنا وتم التصويت عليه في البرلمان، ولكن لا نعرف لماذا لم يطبق هذا القرار علما ان جميع المؤسسات والدوائر الحكومية التي راجعناها لم تقدم لنا شيئاً في ظل تعويض معظم الذين تعرضوا الى الظلم الشديد في زمن نظام الحكم السابق ونحن لم يلتفت نحونا أحد حتى الآن".

هل توجد جمعية تعنى بالدفاع عن حقوق الاشخاص الذين تعرضوا الى هذه العقوبة؟

"كانت توجد لدينا جمعية اطلقنا عليها اسم (جمعية المتضررين من النظام البائد) لكنها اغلقت لعدم القدرتة على توفير ايجار المقر الذي كان يقع في منطقة العشار، لكن لاتزال تجمعنا المناسبات الاجتماعية. وهناك تواصل مستمر مع بعضنا البعض وحالياً هناك نحو 450 شخصاً تعرضوا الى هذه العقوبة في محافظة البصرة، لكن عددهم في تناقص مستمر بسبب اقدام بعضهم على الانتحار."

(أبطال بنظر المجتمع) هكذا وصف مدير مكتب وزارة حقوق الانسان في محافظة البصرة مهدي التميمي كل من تعرض الى هذه العقوبة القاسية. وأكد تحسن اوضاع هذه الفئة قليلاً بعد عام 2003 لكنه اشار الى انهم مازالوا يعانون من مشاكل اقتصادية ونفسية واجتماعية كبيرة. وأفاد التميمي بان وزارة حقوق الانسان ومن أجل تقليل معاناة هذه الفئة ومساعدتهم وتعويضهم قامت بإحصاء عددهم في جميع المحافظات العراقية، وقررت الحكومة منحهم تعويضات مالية وامتيازات أخرى أسوة بالسجناء السياسيين وذوي الشهداء السياسيين:

"مكتب وزارة حقوق الانسان في محافظة البصرة قام بالعمل على هذا الملف من نواحي مختلفة. ولقد تمكنا من احصاء اعدادهم وقد بلغت 450 جميعهم من ضحايا القرار 115 الذي تم بموجبه جذع صوان الاذن ووشم الجباه وقطع الألسن وهؤلاء الاخوة جميعهم مسجلين الآن في وزارة حقوق الانسان. ولقد وردتنا تعليمات وزارية تشير الى انهم يستحقون الحصول على مبالغ مالية، ونحن حرصنا على التعامل معهم وفق أسس نفسية وطبية، ولكن ضعف الامكانيات المالية حالت دون تمكننا من معالجتهم."

وأعترف رئيس مجلس محافظة البصرة جبار أمين جابر بتقصير الحكومة المحلية، وتعهد بإطلاق حملة لمساعدتهم تتضمن منحهم مساعدات مالية وإيجاد فرص عمل لبعضهم وأشار إلى انه سيسعى إلى حث منظمات إنسانية أجنبية على مساعدتهم من خلال دعوتها إلى إخضاعهم لجراحات تجميلية.
اما نائب رئيس مجلس محافظة البصرة الشيخ أحمد السليطي فلم يرحب بتعويض ضحايا القرار مئة وخمسة عشر في المرحلة الراهنة، نظراً لعدم انتهاء الحكومة العراقية من تعويض ذوي الشهداء السياسيين. وقال ان الأولوية في التعويض هي لمن قطعت رؤوسهم وليس آذانهم.
ويتساءل ضحايا نظام صدام وذويهم أما آن الأوان أن تلتفت الحكومة لهم وتنفذ وعودها بدعمهم ورعايتهم وتعويضهم، مؤكدين من جديد ان كل ما يريدونه هو رد الاعتبار لهم و اشعارهم بأنهم مواطنون عاديون كالآخرين وليسوا مواطنين من الدرجة الثانية. ويتساءل الذي فقد أذنيه ويحمل وشماً على جبهته: متى نحصل على حقوقنا إذا كان ذووا الشهداء السياسيين لم ينالوا حقوقهم لحد الآن وبعد مضي ست سنوات على انتهاء نظام صدام؟

المزيد من التفاصيل في الملف الصوتي

عقود من الاضطهاد والقمع مع غياب ابسط الحقوق وانتهاكات يتعرض لها المواطن إلى يومنا هذا وجهود المنظمات الأهلية والمؤسسات الحكومية في تثقيف المجتمع وتوعيته والدفاع عن حقوقه.. حقوق الإنسان في العراق يسلط الضوء على هذه المواضيع من خلال المقابلات التي يجريها مع مختصين ومسؤولين ومواطنين.
XS
SM
MD
LG