روابط للدخول

خبر عاجل

الحديث عن بداية دخول الانكليز الى العراق


خالد القشطيني

عندما دخل الأنكليز العراق لم يكن هذا البلد معروفا بهذا الأسم.
كان العثمانيون قد قسموه الى ثلاثة اقسام: ولاية الموصل ثم ولاية بغداد و اخيرا ولاية البصرة في الجنوب.
و سماه الأنكليز بالأسم الذي اطلقه عليه الأغريق القدماء وهو مسوبوتيميا، أي بلاد ما بين النهرين، لكن باندلاع الحركة الوطنية للحصول على الأستقلال، عمد الوطنيون الى استرجاع الأسم الذي اطلقه العرب على هذه المنطقة من عالم العرب، وهو العراق. الواقع ان العرب كانت تطلق عليه ايضا اسم ارض السواد، و لكن الظاهر ان الوطنيين لم يستحبوا هذا اللون اسما لبلدهم فاكتفوا بالعراق. كان هناك اكثر من رأي في اصل الأسم. و تفاديا لتشويش المستمع. و لئلا اسبب له أي وجع دماغ اكتفي بما اورده قاموس محيط المحيط في هذا الشأن. قال:
" بلاد العراق من عبادان الى الموصل طولا و من القادسية الى حلوان عرضا، مؤنث و يذكر. سميت بها لنواشج عراق النخيل و الشجر فيها. او لأنه استكشف أرض العرب، او سمي بعراق المزادة لجلدة تجعل على ملتقي طرفي الجلد اذا خرز الى اسفلها لأن العراق بين الريف و البر، او لأنه على عراق دجلة و الفرات ، أي شاطئهما، او معربة من ايران شهر، و معناه كثيرة النخل و الشجر. و العراقان الكوفة و البصرة."
فهمنا؟ ارجو بهذه الكلمات البسيطة الواضحة، الا اكون قد شوشت المستمع الكريم و اصبته بأي وجع رأس. غير ان من الواضح انه صعب على العراقيين حتى الأتفاق على اصل اسم بلدهم. المهم أن العراق كان اسما شائعا بين العرب. ورد في كثير من الأشعار و الأقوال، ومنها ما قاله المتنبي:

لتعلم مصر ومن في العراق و من بالعواصم اني الفتى

و اني وفيت ، و اني ابيت واني عتوت على من عتى
ولا شك اننا نتذكر ما قاله الحجاج عندما تولى ولاية العراق و خطب بالناس في مسجد الكوفة و قال : يا اهل العراق. واذا كان العراقان كما يقول محيط المحيط هما البصرة و الكوفة ، فقد ورد ذكرهما بهذا الأطار في بيت معروف الرصافي الشهير:


يا اهل لندن ماأرضت سياستكم اهل العراقين لا بدوا ولا حضرا

و مع ذلك فقد وجد اكثر العراقيين ، ولا سيما العامة منهم صعوبة في لفظ اسم العراق بصورة صحيحة. دأب الكثيرون على لفظه بالضم " العُراق" بدلا من " العِراق " بالكسرة . وما زال الكثيرون منا يقولون العُراق بالضمة من باب الأستخفاف و التنكيت. بقي هذا الخطأ شائعا و وقع فيه حتى بعض المتعلمين ، و منهم كما روى آباؤنا، ياسين الهاشمي، الزعيم السياسي المعروف و رئيس الوزراء عدة مرات و رئيسا لحزب الشعب.

شهد البرلمان العراقي بمجلسيه النواب و الأعيان كثيرا من المناقشات الحادة . و كثيرا ما وصلت درجة عالية من العصبية و الفضاضة و تبادل الشتائم، كما يجري الآن تماما لاحظ احد النواب أن رئيس الحكومة السيد ياسين الهاشمي كثيرا ما وقع في كلامه بهذا الخطأ – اقصد به نطق العراق بضم العين. فوقف و قاطع رئيس الحكومة و قال له انت تتكلم عن العراق و مصالح العراق و سياسة العراق ، والى الآن انت لا تعرف حتى كيف تلفظ اسم العراق فتقول " العُراق" ( بالضمة).

ضج المجلس بالضحك و الأستحسان و السخرية برئيس الحكومة. و لكن سرعان ما تعالى الضحك و التصفيق من جانب آخر من المجلس عندما التفت ياسين الهاشمي و خاطب ذلك النائب المعارض قائلا: " نعم يا حضرة النائب المحترم، هذا صحيح. انا اقول العُراق و لا اقول العراق بالكسرة لأنني احب ان ارفع عين العراق ولا اريد ان اكسر عين العراق .

و ضج المجلس عندئذ بالتصفيق و الهتاف و كان جوابا من اروع و ابلغ ما سمعته او قرأته في عالم الأدب السياسي و تاريخ الحياة البرلمانية، جوابا لا يقل في روعته و لوذعيته عن ابلغ ما تفتق عنه ذهن ونستن تشرشل او دزرائيلي.

على صلة

XS
SM
MD
LG