روابط للدخول

خبر عاجل

موضوع الحلقة: الحديث عن زيارة أمين الريحاني رائد القومية العربية إلى العراق في عشرينيات القرن الماضي


خالد القشطيني

اشرت في مناسبة سابقة الى زيارة امين الريحاني ، رائد القومية العربية الى العراق في العشرينات. كانت له ملاحظاته الدقيقة عن هذا البلد و الشعب الذي يسكنه. دون هذه الملاحظات في كتابه الشهير " ملوك العرب". ما اجدرنا ان نستشهد بشيء مما قاله عن العراقيين . كتب فقال ، و كان ذلك في عام 1922:
لولا الشعراء في العراق لسئمت السياسيين، و لولا السياسيين لفررت هاربا من الشعراء.
و بكلمة اوضح ، لولا الفريقان حولي لكنت من الهالكين. بيد اني مشيت مثل البهلوان على حبل الأحتفالات و التكريم. احمل بيدي خيزرانة التوازن ، وفي احد طرفيها كرة السياسة، وفي الأخرى قيثارة الشعر. تباركت الأمة التي يتوازن فيها الشعر و السياسة.
بعد ان عقد الريحاني الكبير تلك المقارنة بين الشعر و السياسة، او بالأحرى بين العاطفة و العقل، مضى في مذكراته ليصف ميول العراقيين فقال:
" ليس في امم الأرض على ما اظن من يهتم بالسياسة اهتمام الأمة العربية. و ليس في الأقطار العربية كلها من يشغف بالسياسة شغف العراقيين. في مدينة بغداد مثلا ثلاثمائة مقهاة ، وفي كل مقهاة عشرون سياسيا على الأقل يدخنون الأرجيلة ليل نهار، و يديرون شؤون العرش و الأنتداب. و لكل سياسي من هؤلاء رأي في السياسة الدولية ، و سياسة العراق غير رأي زميله و جاره. الا انهم يدخنون و ينسون. إن في الأرجيلة لتعتصم الأمة."

قال الزائر الكريم ذلك في يوم من ايام الخير، يوم كان الناس يدخنون النركيلة، او الأرجيلة كما آثر الريحاني ان يسميها. يدخنونها و ينسون. و لكن قلما يشاهد الأنسان هذا الضغف العراقي بالسياسة ليس بجديد. انه جزء من الإتجاه العقلاني الفكري للعراقيين الي انتج كل تلك المدارس الفكرية و الدينية في العهد العباسي و غاب عنهم في هذه الأيام مع الأسف.
وجد امين الريحاني هذه الروح المتلهفة للعلم و المعرفة ، وهذا ا لميل السياسي العراقي الأصيل للشعر و السياسة في شخصية معروف الرصافي . التقاه في عدة مناسبات، و لكنه وجد فيه عنصرا ثالثا، الا وهو العنصر الثالث من الشخصية العراقية ، عنصر التحدي و التمرد على الظلم. يستشفها الضيف اللبناني الأمريكي في الكثير من شعر الرصافي الثائر:
و ما هذا و إن آذي بدائي
و لا هو امره امر عجيب
و لكني ارى ابناء قومي
يدبر امرهم من لا يصيب
فيما كان امين الريحاني جالسا في الفندق سمع طرقا على الباب. قام و فتحها فاذا به امام شاعر ثائر آخر من شعراء العراق، يزبد و يعربد. انه جميل صدقي الزهاوي. انفجر بالكلام فورا: " سألوني يا استاذ ان اكون شاعر الملك و عينوا لي راتبا شهريا. فقلت لهم لا امدح بالأجرة. و اني اقبل الوظيفة بشرطين. الا اقول شيئا الا عندما ارى المدح واجبا ، و ان يكون الراتب لوظيفة اخرى غير المدح. فغضب جلالته. و كان لي بعض الأصحاب فاغتنموا فرصة غضب الملك و انقلبوا علي. و الله يا استاذ ما قبلت ان اكون شاعر الملك الرسمي الا بالشروط التي ذكرت... معاذ الله ان اصير في آخر هذا الزمان مداحا بأجرة."

استمع الريحاني لكل هذه الغضبة من الزهاوي. و لكنه سرعان ما اكتشف ان الملك فيصل الأول رحمه الله قد وقع في مأزق بشأن من ينتخب شاعرا للبلاط. فوق نظره على الزهاوي. بيد ان الريحاني تطوع فأبدى رأيا مختلفا فقال كان الأجدر بالملك ان يختار شاعرا من الطبقة الثالثة او الرابعة فيطيب له المدح و القبض عن المدح ولا يتذمر. مضى الزهاوي يزبد و يعربد: " ظلمت والله يا استاذ. انا لا ابغي اجرة على المديح اذا مدحت ولا امدح دون فكر و عقيدة. الم اقل للملك:

تلق اعتمادك لأستتمام نهضتهم
على الذين ينهج الحق قد سلكوا
على اناس لصدق القول قد لزموا على رجال لغل النفس قد تركوا
على الألى عرك الأيام اظهرهم
عركا طويلا و للأيام قد عركوا
يمضي ضيف العراق فيتعرض الى اشعار الزهاوي الألحادية و يستعرض شيئا من نزعاته في ديوانه الشهير " نزغات الشيطان" فيقول كقوله :

توقفت لا ادري تجاه الحقائق

أأني خلقت الرب ام هو خالقي؟

و نحو ذلك من نزغات الشاعر التي يتبرأ منها حتى الشيطان. الطريف فيها ان الشاعر كتب وقال كل ذلك و لم يثر أي احد اعتراضا او هيجانا ضده. كان هناك احترام غير قليل للرأي و حرية الفكر. اجل. كانت ايام خير ، يوم كان الناس يرفضون العطايا و القبض مقابل بيع ظمائرهم و انتماآتهم. ئي بلي. ايام خير و راحت.

على صلة

XS
SM
MD
LG