روابط للدخول

خبر عاجل

حكاية محافظ البنك المركزي في عهد نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي الأسبق مع خلاصة التقارير


خالد القشطيني

حلقة جديدة من برنامج أيام الخير الذي يعده ويقدمه الكاتب العراقي خالد القشطيني يحدثنا فيها عن حكاية محافظ البنك المركزي في عهد نوري السعيد رئيس الوزراء العراقي الأسبق مع خلاصة التقارير..

كثيراما يسألني الناس عن كتابة العرائض للحكومة او تقديم شكوى او ارسال رسالة لأحد المسؤولين. جوابي التقليدي لهم، هو عليكم بالاختصار. انني اقول ذلك بوحي عملي الصحافي ككاتب عمود ترد اليه يوميا رسائل كثيرة من القراء. وقت الانسان محدود ولا سيما عندما تتراكم عليه الالتزامات ، كمعظم الصحافيين. حالما افتح رسالة من احد القراء و اجد امامي ثلاث او اربع صفحات مزدحمة بالكلام و الهوامش ، ارمي بها في سلة المهملات. و اذا تعطفت على كاتبها فلربما اقرأ منها بضعة اسطر لأحيط علما بموضوعها قبل تمزيقها و التخلص منها. بعض زملائي يقرأون ما فيها من مديح لهم. انا ممن يتجاوز ذلك ويبحث عن الشتائم. نصيحتي لكل من يقتضي عليه كتابة رسالة او عريضة هو ان يركز على موضوعه و يطرحه بما استطاع عليه من الايجاز. علينا جميعا ان نتذكر قول السلف بحق البلاغة في الادب. قالوا ان البلاغة هي بلوغ الغرض في اقل ما يمكن من الكلام.

لا اكاد اجد حكاية تعبر عن حرص المسؤولين على الايجاز و الاختصار كتلك الحكاية التي مر بها محافظ البنك المركزي في بغداد في يوم من ايام الخير عندما كان نوري السعيد رحمه الله رئيسا للوزراء. طرحت في تلك الايام مسألة بقاء العراق في منطقة العملة الاسترلينية او انسحابه منها. بعد مناقشات طويلة في الامر، اقترح اصحاب الحلو و العقد، تكليف خبير عالمي في الاقتصاد ليدرس الموضوع و يعطي رأيه فيه. فالتعامل بالعملة الوطنية من اعقد المسائل الاقتصادية كما وجد حاليا الدكتور سنان الشبيبي، محافظ البنك المركزي الحالي.

تم ذلك وعهدت الحكومة بهذا الموضوع الى احد كبار الخبراء العالميين المختصين بالموضوع. و انكب الرجل على دراسة اقتصاديات العراق عدة اشهر ، ثم كرس عدة اشهر اخرى في كتابة التقرير و التوصيات التي توصل اليها.عاد الى بغداد محملا بهذا التقرير الذي بلغ نحو 450 صفحة. استلمه منه الموظف المختص و قدمه للسيد محافظ البنك المركزي. ما ان رآه هذا و تطلع الى سمك الكتاب حتى ارتعدت فرائصه ذعرا من حجمه و تفرعاته. التفت محافظ البنك الى الموظف و قال له: يعني انت تعتقد اني ما عندي اي شغل او عمل غير قراءة هذا التقرير؟ روح وليدي، روح و لخص لي التقرير بما يكفي و يتسع له وقتي.

تأمر بيك. قال الموظف و حمل التقرير الثقيل من على الطاولة. اخذه الى البيت و انكب عليه لبضعة ايام حتى استطاع اختصاره الى ما يقرب من ثلاثين صفحة. طبعها و قدمها في ملف الى رئيسه محافظ البنك. نظر المحافظ في وجه مساعده الموظف، و تصفح الملف ثم رفع رأسه و قال له، زين، انا اقرا هذي الثلاثين صفحة . و على العين و الراس ، لكن تفتكر ان معالي وزير المالية راح يكون مستعد لقراءة كل هذا الكلام؟ روح وليدي روح ، لخص هذي الثلاثين صفحة بما يكفي للوزير ان يقراها.

تأبط الموظف الملف و عاد اى البيت لينكب على الموضوع ثانية و يلخصه في تسع صفحات لا اكثر. حملها راضيا مقتنعا بها و سلمها لمحافظ البنك. شكره السيد المحافظ على حسن فعله و عمله وحدد موعدا مع الوزير ليسلمها له. وهو ما كان. فتح معالي الوزير الملف و راح يتصفح التسع صفحات بأطراف اصابعه ثم التفت الى مدير البنك المركزي وقال :شكرا على هذا التعب. و لكن هذي تسميها خلاصة؟ تسع صفحات مليانة كلام؟ اذا كان بإمكاني انا ان اقرأ هذه الخلاصة بتسع صفحات ، تعتقد ان الباشا عنده الوقت لقرائتها؟

كان وزير المالية يشير بالباشا طبعا الى رئيس الوزراء نوري السعيد . و كان نوري السعيد معروفا بكرهه للقراءة. ثم طلب الوزير من محافظ البنك تلخيص هذه الخلاصة من خلاصة التقرير الى صفحة واحدة ليضمن قراءتها من قبل رئيس الحكومة. و هذا ما جرى. عاد مدير البنك بالخلاصة الى مساعده الموظف و طلب منه ان يلخصها بما لا يتجاوز الصفحة اواحدة و لا يخرج عن نطاقها بسطر واحد.

مرت الايام و الليالي و لم يسمع الوزير من رئيس الوزراء اي تعليق على خلاصة التقرير و ما يوصي له الخبير من قرار في مثل هذا الموضوع الخطير المتعلق بمصير الدينار العراقي. لم يسمع منه شيئا حتى التقى به ذات يوم في احدى الحفلات الرسمية فسأله عن الموضوع. اجابه رئيس الوزراء ، اي موضوع؟

" موضوع الاسترليني يا ابو صباح . تتذكر؟ اعطيتك خلاصة تقرير الخبير المالي؟ "
اجابه رئيس الوزراء: " اوه ! انت جبت لي هذي الصفحة المليانة كلام. انا عندي وقت اقراها و هالمشاكل كلها عندنا؟ قل لي بكلمتين و خلصني: ش يقول الخبير المالي؟ يعني نبقى بمنطقة الاسترليني او ننسحب منها.؟ كلمة واحدة و بلا كل هالوجع الراس!
و هذه كانت حكاية خلاصة خلاصة خلاصة التقرير الخطير.

على صلة

XS
SM
MD
LG