روابط للدخول

خبر عاجل

ساحة الكشافة إبان العهد الملكي


خالد القشطيني – لندن

ساحة الكشافة من الأماكن المعروفة لدی معظم العراقيين، وربما أكثر من كل هذه الشوارع والساحات التي افتتحوها في السنوات الأخيرة. لم يعد في العراق الآن كشافة ولكن اسم ساحة الكشافة بقي في الأذهان. فهي ساحة ارتبط تاريخها بالكثير من المناسبات والأحداث الجميلة في أيام الخير.

الطريف في أمر الكشافة أن كثيرا من الناس يعتقدون أن الإنكليز هم الذين جاؤا بها إلى العراق. الإنكليز حقا هم الذين أسسوا الحركة الكشفية في العالم على يد الجنرال بادن باول في أوائل القرن العشرين عندما خطرت له فكرة أهمية إعداد الفتيان والفتيات للحياة العسكرية وخدمة المجتمع وروح التحمل والصبر ومكارم الأخلاق. بيد أن العثمانيين هم الذين جاؤا بها إلى بغداد بوحي من حلفائهم الألمان وأسسوا أول وحدة من الكشافة عام 1915 بإشراف الضابط الألماني فون هوف.

وعندما استقل العراق بادرت وزارة المعارف إلى تنظيم الحركة الكشفية التي اهتم بها اهتماما خاصا ساطع الحصري الذي بادر إلى توجيهها توجيها وطنيا قوميا فأسس جمعية الكشافة العراقية التي فصلها من مقر الكشافة البريطاني في لندن. واستبدل شعارها بشعار عراقي صميم يقوم على سعف النخيل، رمز العراق. كانت الجمعية تعاني من مشاكل مالية فعمدت إلى إحياء الحفلات العامة والمهرجانات والعروض المسرحية لجني الأموال من البطاقات والتبرعات. وكان لهذا النشاط دور مفيد في تشجيع الحياة المسرحية والنشاط الفني في البلاد. وفي تلك المرحلة، اختيرت أرض قفراء قريبة من الوزيرية ساحة للنشاط الكشافي فعرفت منذ ذلك العهد باسم ساحة الكشافة. لم يُرغم أحد بالانتماء إلى الكشافة وإنما تـُرك الانخراط فيها لمشيئة الصغار وأولياء أمورهم. ومع ذلك فسرعان ما تجاوز عدد الكشافة في العراق عام 1930 نحو اثني عشر ألف كشاف.

الواقع أن البلاد شهدت نشاطا وحماسا كبيرا للحركة الكشفية تجسم في اختيار الملك فيصل الأول ثم الملك غازي من بعده قائدا أعلى للكشافة. ولا عجب في ذلك، فقد كان الملك غازي نفسه في صباه واحدا من أفراد الكشافة. وتطوع الأدباء والشعراء والموسيقيون لدعم الحركة. وأصدر محمود نديم مجلة باسم "الكشاف العراقي" التي احتلت مكانها الخاص في تاريخ الفكر العراقي المعاصر بما نشرته من أبحاث لكتاب المستقبل، وفي طليعتهم العلامة الكبير مصطفى جواد، وكان من منشوراته فيها قصيدة طويلة عن روح الكشافة قال فيها:

«سميت كشافا وإني مصلح
نقص الحياة، وناشر إرشادا
روحي تعودت اللطافة والعلى

وعلي ربي بالفضيلة جادا»


توسعت الحركة الكشفية في الثلاثينات توسعا كبيرا ومازال الكثيرون من أبناء ذلك الجيل يتذكرون بحنين عاطفي تلك الأيام من أيام الخير، يوم كانوا يخرجون من مدارسهم في بزة الكشاف يتقدمهم العالم العراقي وبجانبه علم الكشافة. وفي الأمام يتقدمهم نفر يضربون على الطبول ويعزفون بأبواقهم موسيقى السير، تسكت الموسيقى فيدوي صوت العريف، يس، يم... يس، يم... يس، يم ... يسار يمين، يسار يمين. ثم يردد النغم الإيقاعي بصفارته الداوية. تجتمع الفرق الكشافية من كل المدارس في ساحة الكشافة، لتستعرض وتجري تمارينها وتنشد أناشيدها:

نحن كشافو العراق


خير ركن للوطن
تحت ظل الحق نمشي

لا نبالي بالإحن

وتخرج الفرق الكشفية من الساحة لتمر بأعلامها وأجواقها الموسيقية في شوارع المدينة والجمهور يصفقون ويهتفون لهم. يمرون أمام وزارة الدفاع فيهتف الكشاف العريف "إلى اليمين انظر!" فيدير سائر الكشافة وجوههم نحو المبنى في تحية إجلال وتكبير لجيش البلاد.

أيام خير كانت أيام الكشافة، ننظر إليها بحنين ونتذكرها بالخير.

على صلة

XS
SM
MD
LG