روابط للدخول

خبر عاجل

حلقة جديدة


خالد القشطيني

حلقة جديدة من برنامج أيام الخير الذي يعده ويقدمه الكاتب العراقي خالد القشطيني يحدثنا عن..

عندما تأسست المملكة العراقية ، لم يكن فيها غير عدد قليل من المهنيين المؤهلين ، و كان الكثير منهم خارج الوطن فسعى الملك فيصل رحمه الله و اعوانه الى استقطابهم و إغرائهم بالعودة الى بلدهم الاصلي. كان من هؤلاء القانوني الضليع جبرائيل البنا الذي وجدوه استاذا للقانون في باريس فعاد و قضى حياته في إعداد جيل كامل من المحامين و الحقوقيين العراقييين. اذا كان ، جل الدارسين و المختصين الآن هو الرحيل و الهجرة الى الخارج ، ففي تلك ايام ، ايام الخير ، كان همهم العودة للوطن و المساهمة في بناء العراق الجديد.

من دعاهم الملك فيصل للمجيء الى بغداد و المساهمة في هذه العملية المفكر الكبير ساطع الحصري ، فيلسوف القومية العربية. كان من اول مساعيه تطوير دار المعلمين. كان الهدف الرئيسي تعليم الاميين و تثقيف المتعلمين. و هي مهمة توقفت على الحصول على افواج كافية من المعلمين. اسند الملك فيصل مديرية المعارف لساطع الحصري ليتولى هذه المهمة، لاسيما وانه قد سبق اليه ان تولى ادارة دار المعلمين في اسطنبول في العهد العثماني. انطلق في بغداد يبحث في زوايا الكرة الارضية عن أي عراقي يصلح للتدريس في المعهد الجديد.

عثر على الكثير منهم و لكن مادة واحدة استعصت عليه. مادة الفن. فلم يكن هذا الموضوع من المواضيع التي استهوت ابناء العراق و المسلمين عموما في ذلك العهد.
و لكن الحصري تذكر تلميذا عراقيا موهوبا تميز في اهتمامه بالرسم و برع فيه الى الحد الذي اهله فيما بعد الى تدريس هذه المادة في نفس الدار في اسطنبول ، دار المعلمين هناك. فاستفسر عن وجوده فاذا به مازال في نفس العمل و في نفس المؤسسة. فكتب اليه يذكره ببلاده، و بواجبه الوطني نحو النهوض بها في فجر نهضتها الجديدة.

كان ذلك المعلم الاستاذ فتحي صفوة ، والد الدبلوماسي و المؤرخ العراقي المعروف نجدة فتحي صفوة. كان فتحي صفوت قد رحل من العراق منذ مدة و لم يعد يتذكر الكثير منه او عنه. بيد ان للوطن حقوقه فاستجاب لدعوة ساطع الحصري ، فركب السيارة و القطار و ربما الدواب ايضا، و اخذ طريقه نحو العاصمة العراقية. و بعد سنة من التدريس في دار المعلمين ، شعر بما يكفي من الاستقرار فبعث على زوجته و اولاده للحاق به. و كان بينهم الصبي النابه نجدة. وقدر لمبادرة الحصري ان يضرب عصفورين بحجر ، كما يقول المثل العربي. جاء للعراق برسام فنان في شخص فتحي صفوة و اديب و مؤرخ في شخص ابنه نجدة.

يميل الكثيرون من النقاد و مؤرخي الفن الى ارجاع كل خطوط النهضة العراقية الرائعة في ميادين الفنون التشكيلية الى الاستاذ فايق حسن. اما الحقيقة فإنها تمتد الى ما قبل ذلك بسنين، بعبارة اخرى ، الى اوائل الحكم الملكي في العراق. فقد لعب فتحي صفوة الدور الريادي في تشجيع ممارسة الفنون من رسم و نحت ، و في اعداد الجيل التالي من الفنانين العراقيين الذين ضموا فايق حسن و جواد سليم و حافظ الدروبي و عطا صبري و غيرهم من قادة الحركة الفنية في العراق. فللأستاذ صفوة يعود الفضل في تشجيع الحكومة على ارسال الشباب الموهوبين لدراسة الفنون في الخارج، وفي اختيار المتميزين منهم لهذه المهمة.

لقد تميزت تلك الايام من ايام الخير بحماس عام متدفق في نفوس الجميع ، تطلعا نحو بناء عراق جديد مزدهر، كل في ميدانه ، فتحي صفوة في ميدان الفن، طه الهاشمي و جعفر العسكري في ميدان الدفاع، جبرائيل البنا و منير القاضي في ميدان القانون ، صائب شوكت في ميدان الطب، حسقيل ساسون في تنظيم مالية البلاد ، وهلمجرا. الجميع يسعون نحو خير العراق و رفاه شعبه و شموخ اسمه. ئي نعم، قلوب يغمرها الحماس و الامل .

على صلة

XS
SM
MD
LG