روابط للدخول

خبر عاجل

حلقة جديدة


خالد القشطيني

- يعود الكثير من سلوكنا الى قوة علاقاتنا العائلية. اعتدنا ان نكلم الكبار بكلمة عمي. نقول عمي بيش الساعة؟ عمي وين المدرسة؟ و نكلم أي امرأة بكلمة اختي. اختي ممنوع الدخول. هذا شيء غير جائز في الغرب. على الطفل هناك ان يخاطب الغريب بكلمة مستر أ او مسيو. فلت من يدي ابنيس نايل و راح يعدو بين السيارات. اسرعت وراءه. ولك وين رايح يا نايل؟ اشار بيده الصغيرة نحو وسط الساحة و قال: " اريد ابوس ذاك العم. و لك ذاك مو عمك. ذاك شرطي المرور. راح يتصور ان كل رجل في العراق هو واحد من اعهمامه. حيثما رأى رجلا معه شكولاته او آيس كريم ، ركض نحوه ، اريد ابوس عمي ذاك.

عبثا حاولت ان افسر له ان الاعمام في العراق يختلفون عن الاعمام في بريطانيا. ففي الشرق كل رجل بمثابة عم للطفل. و الواقع اننا نستمر في هذا التعامل العائلي حتى في الكبر. يأتي شخص و يقول لك ، صدر قرار بالعفو عن جميع المعتقلين، فتقول له ، يا عمي انت تصدق بكلام الحكومة. يا عمي.

و على الرجل ايضا ان يتصرف في الواقع كعم. اذا رأى ولدا يسيء الادب في الشارع او يعتدي على احد، فعليه ان يتدخل و يوبخه و يؤدبه. و يكون والده شاكرا له تدخله. و هذا غير جائز في الغرب. هذا النوع التقليدي من الالفة و الدفأ في العتعامل بين المواطنين كعائلة كبيرة واحدة أ اخذ يختفي في العهود الثورية عندما اخذت السلطات تسعى الى تمزيق التضامن العائلي. تحث الأبن على التجسس على والده ز اخوته و الوشاية بهم. و لكن الأمر كان مختلفا في السابق. وهو بالضبط ما فعله الشيخ مصطفى القرداغي عندما كان متصرفا على لواء السليمانية في وقت عانت فيه المنطقة من الاضطرابات . و كان الشيخ لطيف ابن الشيخ محمود مسؤولا عن الكثير منها. استلم المتصرف برقية بإلقاء القبض عليه. ادرك القرداغي ان السيد لطيف سيقاوم بما يؤدي الى معركة تسيل فيها الدماء.فركب سيارته و ذهب الى زالده. سلم عليه ثم قال له اريد منك شيخنا ان تخبر ابنك لطيف و تقول له عمك مصطفى يريد يشوفك. ادرك الشيخ محمود ما وراء ذلك. فقال ان ابنه سيمتنع. فرد عليه قائلا: كيف يمتنع؟ آني عمه و اريد اشوفه و يقول لا ما اروح؟ شيخنا ما عليك غير ان تقول له عمك ابو كامران يريد يشوفك.

بلغه بالأمر. و لم يجد ذلك الثائر المتمرد غير ان يلبي الطلب و يحضر. نعم عمي ابو كامران. قال له : اريدك تلم غراضك و تجي معي الى بغداد. لم يستطع لطيف ان يعصي طلب عمه. فجاء بأمتعته و انطلق الاثنان بسيارة المتصرفية ، سليمانية رقم واحد. مرت بالمدن و القرى و الناس و الشرطة في ذهول عما يرون. لطيف الثائر راكبا في سيارة الحكومة. ذهب به المتصرف فورا الى وزير الداخلية. هذا لطيف ابن الشيخ محمود. طلبتوا مني ان احبسه. هذا هو امامكم. اريد منكم تستأجرون له بيت و تدفعون اجاره و تخصصون ما يكفي لمعيشته ، هو و حراسه. و هو هنا في بغداد بعيد عن الجبل و تستطيعون ان تراقبوه بحيث لا يقوم بأي مشكل.

وافق الوزير على ذلك. فقضى الشيخ لطيف نحوخمسة اشهر في بغداد يحرسه اثنان من حرسه البشدر و اثنان من الشرطة. بقي كذلك حتى هدأت الاحوال في السليمانية. ركب المتصرف سيارته ثانية الى بغداد. ابني لطيف لم غراضك. الآن تجي ترجع معي الى بيتك و اهلك في السليمانية . وهو ما كان.

وهكذا كان. يا عمي القاريء . بهذا الشكل الحضاري الرقيق و في اطار تقاليدنا العائلية ، كان الناس يحلون اكبر المشاكل . لا عدوان و لا خطف و لا تقتيل و لا تعذيب. هكذا كانت تحسم الامور يا عمي القاريء المحترم.

على صلة

XS
SM
MD
LG