روابط للدخول

خبر عاجل

حلقة جديدة


خالد القشطيني

- لاشك ان من اول ايام الخير في عموم العالم الاسلامي ايام عيد الاضحى المبارك و الحجيج الى مكة المكرمة، تلك الشريحة الزمنية التي يقف فيها الحجاج رافعين ايديهم الى السماء ، متضرعين الى الله سبحانه وتعالى ان يمن بالخير عليهم و على ذويهم و سائر المسلمين ، وفي هذه الأيام تخليص العراق من هذه الغمة التي يعيشها الآن. و لهذا العيد المجيد تراثه الجميل من حكايات و طرائف و غرائب مما اعتاد الحجاج على روايته لذويهم بعد ان يعودوا ويستقر بهم المقام. حكايات و طرائف كثيرة اغتنى بها ادب العرب و تراث المدنية الاسلامية.

سمعنا الكثير منها ، و ربما سمع بها ايضا الكثير من حضرات المستمعين الكرام، و لكننا نشك في ان سمعوا بحكاية الثمانية عشر حاجا الذين ذهبوا من العراق لأداء فريضة الحج عام 1947. كانت الخطوط الجوية العراقية قد تأسست حديثا. و بالطبع لم تكن هناك طائرات جمبو او كونكورد . لم يكن لدى الشركة غير طائرتين من طراز دوف التي لم تتسع لغير ثمانية ركاب فقط ، مع طائرتين من طراز فايكنغ تتسع كل واحدة منهما لثمانية عشر راكبا فقط. و كانت الشركة تستخدم طيارين بريطانيين لتحريك هذه الطائرات. و انحصرت مهمة المواطنين العراقيين فيهما بالخدمة و تقديم الشاي للمسافرين و تطمينهم بالسلامة و عدم القلق و الاتكال على الله و جودة الطائرة و مقدرة الطيار الانكليزي كلما مرت الطائرة بمطبات هوائية و اخذت تترنح و تهبط و تنط. لا، لا ، لا تخافون يا اخوان . هذي طسة هوائية مثل طسة السيارات. ماكو شي لا تخافون.

خصصت الشركة طائرة الفايكنغ لنقل الحجاج. فانطلقت بثمانية عشر حاجا في اتجاه الحائل و مدينة جدة. لبسوا الاحرام و استعدوا لمناسك الحج. و كان ان نودي لصلاة العصر فلبوا النداء... لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك لك لبيك، لبيك الحمد لك لبيك... جمعهم امامهم و مرشدهم في مؤخرة الطائرة لأداء الفريضة.

بعد دقائق قليلة اخذت الطائرة تسلك سلوكا شاذا في طيرانها. فقد كانت طائرة صغيرة و خفيفة كما ذكرنا. تتأثر بأتفه الامور. لاحظ الطيار انها اخذت تنحدر نحو الاسفل فسحب عتلة القيادة و رفع انف الطائرة. و لكنها فجأة اخذت تشخص نحو الاعلى بشكل مخيف فدفع بالعتلة لينزل انف الطائرة. و لكنها استمرت آنا للانحراف الى الاسفل نحو الارض، و آنا الى الاعلى نحو السماء . لم يعرف سر هذا السلوك الشاذ فراح يترقب سقوط الطائرة الفايكنغ و وقوع كارثة للحجاج. دقق في كل ما امامه من المعدات و المؤشرات فوجدها سالمة جميعا. لم يبق له غير ان يفكر بأن قدرة الهية اخذت تتدخل في سير الطائرة ، او ان شيطانا رجيما ركب الطائرة ليودي بهؤلاء الركاب الورعين. راح يتأمل في مثل هذه الاحتمالات فوق هذه الديار المقدسة التي لم يسبق له ان طار فوقها. هل انه في الطريق لمشاهدة معجزة جديدة ؟ ثم عادت الطائرة الى انحدار مخيف فالتفت الى مساعده و امره بأن يذهب الى مؤخرة الطائرة ليرى ما اذا كان هناك أي عيب قد اصاب اجنحتها او دفتها.

عاد المساعد ضاحكا ليخبر القبطان بالسبب. هذه المجموعة من الثمانية عشر حاجا كانوا في مؤخرة الطائرة يؤثرون على توازنها بقيامهم و ركوعهم و سجودهم. كلما سجدوا نقلوا مركز ثقلهم الى الامام فيهبط انف الطائرة ، و كلما انتصبوا قياما نقلوا مركز الثقل الى الوراء فيصعد انف الطائرة . تنفس الطيار الصعداء. الحمد لله.

و كانت الازمة الوحيدة التي جاببها هذا الحجيج العراقي في ذلك اليوم من ايام الخير. فلم يكن هناك شيء من عمليات الخطف و الارهاب و المنازعات. و لم يكن للعراق أي مشاكل مع الدول المجاورة لتعكر صفو العلاقات. كانت ايام خير و راحت ويا اهلها.

على صلة

XS
SM
MD
LG