روابط للدخول

خبر عاجل

حلقة جديدة


خالد القشطيني

وألان مع الكاتب العراقي خالد القشطيني وحلقة جديدة من برنامجه الأسبوعي أيام الخير يحدثنا فيها عن أيام زمان وكيف كان تعامل السياسيين العراقيين في العهد الملكي مع الذين يختلفون معهم في الرأي وطريقة تعاملهم مع القضايا التي تمس مصلحة العراق..

اوضحت فيما سلف من هذه السلسلة من ايام الخير كيف ان الخلافات السياسية و اختلاف وجهات النظر لم تؤثر على العلاقات الطيبة بين قادة البلاد في ذلك العهد. لم يكونوا يزجون في السجن من يختلف معهم فكريا او يقومون بتصفيته و التنكيل به و بأسرته و بكل من اتصل به. روينا كيف كان هذا الأمر في العلاقة بين نوري السعيد و الشيخ محمد رضا الشبيبي.
حدث شيء مشابه بين السياسي المزمن ، و نعني به طبعا ابو صباح نوري السعيد و القائد العسكري فهمي سعيد ، بل و الواقع سائر قادة الجيش تقريبا. فمما يغيب عن اذهان الكثيرين ان نوري السعيد و كل هذه المجموعهة من العسكريين كانوا ضباطا في الجيش العثماني. و بهذه الصفة جمعتهم اواصر الزمالة و المهنة. لم يطب لنوري السعيد شيء اكثر من التشاور معهم في شؤون البلاد. و اكثر من ذلك، غالبا ما تزاوجوا و تصاهروا فيما بينهم. هكذا مثلا تزوج جعفر العسكري بشقيقة نوري السعيد . على غرار ذلك تزوج فهمي سعيد بإمرأة من اقارب جعفر العسكري. و يكون بذلك قد انتسب في الواقع بأسرة نوري السعيد.
الشيء الطبيعي في معظم البلدان ، شرقية و غربية، هو ان يسعى الانسان لتسخير هذه العلاقة من نسابة او قرابة لمصلحته و مستقبله، غير ان فهمي السعيد سلك مسلكا مخالفا لذلك كليا، مسلكا مشرفا حقا. كان يتردد كثيرا على جعفر العسكري كرئيس له و وزير لوزارة الدفاع و لكنه بعد ان تزوج بواحدة من اقاربه توقف عن زيارته لئلا يقال او يفسر بأنه يريد ان يستغل هذه العلاقة لترقية مركزه و رتبته في الجيش. زاره مرة واحدة بعد زواجه من باب المجاملة ثم انقطع عنه. و بدون شك لم يكلفه بشيء. و اكثر من ذلك انه عندما تخرج من كلية الاركان في بغداد، لم يطالب بحقه في الحصول على درجة قدم للسنة الثانية كما كان ينص عليه النظام. مرة اخرى هنا ، لئلا يقال انه حصل على رتبة اعلى بنفوذ نسيبه جعفر، وزير الدفاع. كانت ايام خير ، و ايام كرامة يا حضرات المستمعين.
بغض النظر عن وشائج القربى و النسابة، كان فهمي سعيد معجبا الى درجة كبيرة بنوري السعيد و اولاه كامل ثقته في التعامل و في السعي لتحسين مستوى القوات المسلحة و تطهير الجيش من العناصر الفاسدة. بيد ان هذا الاعجاب و الثقة لم تمنع القائد الشاب نسبيا من التصادم مع سيده و رئيس حكومته. رأى ان مصلحة البلاد شيء و علاقات القربى و الصداقة و الاعجاب الشخصي شيء آخر. انفجر ذلك سريعا بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية. فقد رأى فهمي سعيد ان الفرصة اصبحت سانحة للضغط على بريطانيا للحصول منها على مكاسب وطنية للعراق و البلاد العربية طالما كانت بريطانيا في ذلك الوضع المصيري الحرج.
بيد ان نوري السعيد ذهب مذهبا مختلفا. كان مؤمنا ايمانا لا يتزعزع بأهمية الصداقة مع بريطانيا و التعويل عليها في الحصول تدريجيا على ما يبتغيه العرب و العراقيون. كما كان متشككا في مجرى الحرب و نتائجها المحتملة. اجتمع فهمي سعيد مع نفر من القادة العسكريين بنوري السعيد ليقنعوه بوجهة نظرهم، و بصورة خاصة بضرورة تضامنه و تضامن ساسة العراق مع قادته العسكريين في خلق جبهة وطنية تسعى الى مطالبة الانكليزو الضغط عليهم من اجل الاماني الوطنية و القومية. لم يستجب ابو صباح لهذه الافكار و لم يستصوب حكمة مقارعة بريطانيا و استغلال ظروف الحرب لأحراجها. و عندئذ بدأت القطيعة بين الاثنين. و كانت قطيعة يحدوها شيء واحد هو مصلحة العراق و مستقبله. مصلحة البلاد كانت الهاجس السائد لتلك الأيام ، ايام الخير اللي راحت وياهم.

على صلة

XS
SM
MD
LG