روابط للدخول

خبر عاجل

طبيعة العلاقات بين رجل الدولة نوري السعيد ورجل العلم محمد رضا الشبيبي


خالد القشطيني – لندن

كان الشيخ محمد رضا الشبيبي رحمه الله من الشخصيات العراقية اللامعة في ميادين الشعر والأدب بالإضافة إلى مكانته السياسية حيث لعب دورا كبيرا في الحركة الوطنية، ثم دخل مجلس الأمة كنائب ثم كعضو في مجلس الأعيان، وأخيرا كوزير في الدولة. ولكنه ظل من الساسة المعارضين لكثير من الإجراءات والأنظمة التي تبنتها السلطة، ولاسيما الخدمة العسكرية، أو فيما عرف بالتجنيد الإلزامي. ولما كانت الحياة السياسية في العهد الملكي تتميز بالمشاورة والمناقشة الحرة، فقد استدعاه الملك فيصل الأول رحمه الله ليشاوره في الموضوع ويستأنس برأيه. فقال له إن الجريرة كانت جريرة الحكم العثماني الذي أساء استعمال النظام إلى الحد الذي كرّه العراقيين له. ومن المحتمل جدا ألا يستجيبوا بالشكل المطلوب.

زاره بعد ذلك في اليوم التالي ياسين الهاشمي رئيس الوزراء وسأله ثانية فأجابه بأن على البلاد مهمات أجدر من الخدمة العسكرية، كالتعليم والصناعة والزراعة ورفع مستوى الشعب. رد عليه رئيس الوزراء فقال له إن الدوائر العسكرية ممتعضة من موقفه وتقول عنه بأنه عدو للتجنيد الإجباري. أجابه الشيخ الشبيبي قائلا: "إنني لا يهمني ما يقال، ولكن ما رأيك في الجواب؟" و عندئذ هز ياسين الهاشمي رأسه مطرقا وردد كلمات الإمام علي رضي الله عنه فقال: "لا رأي لمن لا يطاع."

استوزر الشيخ محمد رضا الشبيبي أربع مرات تحت رئاسة معظم الشخصيات المهمة في تاريخ العراق الحديث. ولكنه ما كان يستلم منصبه كوزير حتى يصطدم مع زملائه ويبادر إلى تقديم استقالته. ولهذا ربما نجد أنه لم يدخل في أي وزارة سعيدية، رغم كثرة ما تولى نوري السعيد الحكم في العراق. و يظهر أن نوري السعيد لم يكن يجرؤ على دعوته للمشاركة معه في الحكم. فقد كان بين الاثنين ما صنع الحداد. فلنقل بعرف المثل البغدادي: كانا مثل الحية والبطنج. يروي الكثيرون ممن حضروا اجتماعات مجلس الأمة شتى الطرائف والحكايات عن المناوشات والمصادمات التي جرت بين الاثنين في قاعة المجلس وأروقته.

ولكن نوري السعيد كان رغم ذلك يكن احتراما وإجلالا كبيرا لرجل الفكر والأدب. هكذا كانت الأحوال دائما في عهود أيام الخير. يروي كل من خليل كنة وفؤاد عارف أن نوري السعيد ما كان يلتقي برضا الشبيبي في أي مكان حتى يبادر إلى تقبيله من كتفيه، على عادة العرب والأكراد في التعبير عن عظيم إجلالهم لأهل العلم.

حدث أن التقى الرجلان ذات يوم في ديوان من دواوين الدولة وكان نوري السعيد في طريقه للخروج ومحمد رضا الشبيبي في طريقه لدخول المؤسسة في مهمة من المهمات. كانت هناك مرآة كبيرة وراءهما على الجدار عندما التقيا. بادر أبو صباح فورا إلى تقبيل الشيخ على نحو ما ذكرنا ثم راح يداعبه ويعاتبه عن غيابه عنه، إذ لم يره منذ مدة طويلة: "ليش يا شيخنا تاركنا ومطلقنا هالشكل؟" فأجابه الشيخ ساخرا: "ما أريد أشوف وجوهكم. لا أرى القرد ولا القرد يراني." فسارع أبو صباح إلى جره من عباءته إلى المرآة و قال له: "شوف! شوف شيخنا بالمراية! منو بينا القرد، آني لو أنت؟"

وكانت من الطرائف القليلة التي رويت عن رجل الدولة نوري السعيد رحمه الله. فلم يكن من السياسيين الذين اشتهروا بالنكتة وروح الفكاهة. ولكنها كانت ملحة من الملح الظريفة التي جعلتهما يضحكان معا في مثل ذلك اليوم من أيام الخير والبركة.

على صلة

XS
SM
MD
LG