روابط للدخول

خبر عاجل

مساهمة ملكتين عراقيتين في أعمال خيرية


خالد القشطيني – لندن

كانت المغفور لها الملكة عالية ، والدة الملك الشهيد فيصل الثاني رحمه الله، تستحق تماما اللقب الذي اطلقوه عليها، الملكة القديسة، كذلك كانت في صبرها و حشمتها و ايمانها و في تكريس وقتها للخدمة. شاركت في اعمال جمعية الهلال الأحمر و حماية الأطفال و غيرها من الجمعيات الخيرية الأخرى. لم تكن لتعتذر عن اية مهمة او خدمة او رعاية تطلب منها في مساعدة الضعفاء و المحتاجين. كان الرائع فيها انها لم تكن مجرد اسم يلحق بأسم الجمعية او شخصية فخرية يستفاد من صيتها كملكة. كلا، كانت تساهم بيديها في اعمال هذه المنظمات ، اعمال الخير في ايام الخير.

كانت تذهب بنفسها و تشترك مع النساء الأخريات في اداء العمل المطلوب ، و على الأخص الخياطة التي كانت تجيدها. في بعض الأحيان كانت تأتي بالقماش الى بيتها في قصر الزهور و تشتغل لساعات طويلة في تفصيل القماش و خياطته ملابسا لصغار اليتامى و المعوزين ثم تقوم بتسليمه الى الجمعية المعنية لتوزيعه على الناس.

انصرفت بصورة خاصة الى هذه الفعاليات بعد وفاة زوجها الملك الشاب، الملك غازي رحمه الله في تلك الحادثة المفجعة يوم 4 نيسان عام 1939. كان فيصل الثاني في الرابعة من عمره. و من شأن الأطفال انهم غالبا ما يفسرون الكلام بمعناه الحرفي . لا يختلف في ذلك ابن الملوك او ابن الصعاليك. الأطفال اطفال و يعيشون على برائتهم. كان جالسا بجانبها و هي تقوم بعملية الخياطة. سألها ، ماذا تفعلين؟ قالت اخيط ملابس لليتامى. قالت ذلك لواحد منهم في الواقع . الملك اليتيم. ظل يحدق فيما تفعل ثم سمعها تنادي على من يأتيها ببكرة خيوط. سألها شنو هذا ؟ فأجابته و قالت ، هذا خيط يا حبيبي.

تهللت اسارير الملك الطفل . فاقتطع قطعة من الخيط و راح يجري بها. لم تدرك الملكة عالية سر هذا الاهتمام المفاجيء لوليدها بالخيط و الخيوط. حمل فيصل الثاني قطعة الخيط و خرج بها من القصر و راح يبحث عن احد الجنود من الحرس الملكي حتى عثر عليه. قال له " خذ جبت لك خيط." فغص الجندي بالضحك . قبّل المك من رأسه و شكره على حسن صنيعته و راح يطوف به بين زملائه من جنود الحرس الآخرين. يروي لهم هذا المقلب الظريف.

قبل عدة ايام ، و بينما كان ذلك الجندي البسيط موكلا بحراسة الملك، داعبه و تبسط معه بالحديث ثم قال له: سوي لي معروف. قلها لأمك تعطيني خيط. ما كان يقصده ذلك الجندي هو الترقية . الجندي العادي يكون بدون خيط . الجندي الأول يحمل خيطا واحدا، و نائب العريف يحمل خيطين ، و العريف ثلاثة خيوط و رئيس العرفاء يحمل اربعة خيوط. كان ذلك الجندي الشاب جنديا عاديا بدون أي خيط. و لاشك انه كان يحلم بنيل خيط واحد على الأقل يؤهله لاستلام زياة في راتبه، ربما مائتين او ثلاثمائة فلس في الشهر.

كان الملك الطفل قد نسى الموضوع كليا كما يحصل لسائر الأولاد. يتذكرون الآيس كريم و الشكولاته و الحامض حلو و لا ينسونها، و لكن ما يحملهم على تذكر قطعة خيط لجندي؟نسى الموضوع ، غير ان مشاهدته لوالدته و هي تستعمل الخيط في خياطة ثياب اليتامى ذكره بطلب الجندي. و كان طفلا بارا كوالديه فحمل الخيط و راح يركض به فرحا مستبشرا الى ذلك الجندي و يحقق له امنيته كما كان يتصور. و لكن الخيوط خيوط . و شتان ما كل خيط بخيط. جاءه فيصل بن غازي بن فيصل بخيط لا يعطيه ثلآثمائة فلس في الشهر ، بل و لا حتى فلس واحد. و دارت الحكاية في القصر و تداولها الصغير و الكبير ، يضحكون و يستأنسون بالمقلب الذي وقع فيه ملك العراق. سمعت الملكة القديسة بالحكاية فاستغرقت هي الأخرى بالضحك. ولم يذكر القوم ما اذا كان ذلك الجندي قد نال الخيط الذي حلم به.و لكن من يعرف الملكة الأم لا يملك غير ان يتصورها وقد توسطت لدى آمر الفوج بأن يحقق لذلك الجندي بغيته و يرقيه خيطا واحدا الى رتبة جندي اول.

و كانت ايام خير، و ايام حلوة ، ايام خير و راحت وياهم ، ئي نعم راحت وياهم ، ويا الملك الطفل و يا الملكة القديسة ، ويا اسرتها المالكة ... راحوا و راحت وياهم ايام الخير.

على صلة

XS
SM
MD
LG