روابط للدخول

خبر عاجل

دخول التکنولوجيا في عراق أيام الخير


الكاتب العراقي خالد القشطيني


خروج العراق من الحرب العظمى والحم العثماني ثم قيام الحكم الوطني ادخل البلاد في مرحلة الانتقال الحضاري. مات الكثير من الحرف القديمة وظهر الكثير من مظاهر الحضارة المعاصرة المتطورة. ولكن ذلك لم يحدث طبعا بدون مقاومة وصعوبات وشكوك وتردد. لا يستطيع المؤرخ وهو يروي تحول المجتمع العراقي دون ان تتردد على لانه عبارة "لأول مرة". كانت ايام خير، وفي ايام الخير يسعد الأنسان بالكثير مما هو جديد. مثله في ذلك مثل الأطفال الذين يلبسون ثيابهم الجديدة لأول مرة في يوم العيد. من ذلك نقول انه لأول مرة، شهد العراقيون قالب الثلج الذي كان الباعة يقطعونه ويبيعونه للناس بقطع صغيرة الواحدة بفلس. قولوا خير. قولوا أيام خير. بفلس! بفلس، ربع ثلج بفلس. كانوا يشترونه ويضعونه في الحب او التنكة. ولكنهم سرعان ما اعتبروا ذك تأخرا وشيئا بدائيا. اخذوا ستعملون صندوق الثلج الخشبي المعزول والمغلف من الداخل بالصفيح. يضعون فيه الأكل والشرب وقناني الماء والشربت بجوار قطعة الثلج الملفوفة بالككونية التي تبرد كل شيء داخل الصندوق.

وكان دخول الثلج نعمة من الله للسقاة، جمع سقة. الذين كانوا يكسبون عيشهم من بيع الماء لأصحاب البيوت. وهي مهنة ضت عليها اقامة اسالة الماء التي جهزت البيوت بالماء الصافي المعقم بدلا من ماء النهر الملوث. ثار عليها القاة وراحوا يبثون شتى الإشاعات عنها، ومن ذلك ان ماء الأنابيب يضعف الجسم ويقضي على رجولة الرجال. لم يعبأ الجمهور بإشاعاتهم واصبح الماء الصافي المعقم متوفرا في كل بيت. بيد ان الله عز و جل رؤوف بالعباد. واذا اغلق بابا فتح بدلا منها عشرة ابواب. بدلا من بيع الماء للبيوت اخذ هؤلاء الناس يبيعون لهم الثلج. ربع قالب ثلج لكل بيت. وكله بفلس.

بعد ايام قليلة اصبح ذلك مظهرا من مظاهر التأخر والفقر. لقد حلت محله الثلاجة الكهربائية التي اغنت اصحابها عن شراء الثلج. ويقال ان اول من ادخل الثلاجة في بيته كان السيد الحاج عبد الرزاق الدوري. وكان ذلك عام 1936 . ولكن الكهرباء اللازم للثلاجة كان هو الآخر بدعة صعبة جديدة. فقد راح صناع اللمبات ، او من كانوا يسمونهم باللمبجية، يحذرون الناس من استعمال الكهرباء . قالوا انه يسبب حرائق في البيوت ، ومن يمسه يموت في الحال. وما هي الا ايام قليلة حتى تخرب مكائن الكهرباء ويبقى الناس بدون نور. ولكن العراقيين قوم متعطشون للتجديد والتطور فلم يلتفتوا لنذر الشر. فأنار الكهرباء سائر البيوت والطرقات واغلق اللمبجية دكاكينهم وتحولوا الى حرف أخرى. بدلا من فئة اللمبجية ظهرت فئة عمال الكهرباء.

اذا كان الكهرباء قد انتشر بسرعة، فإن تلك الشعبية لم تصاحب دخول التلفون. اضطرت الدولة الى تشجيعه بمنحه مجانا لكثير من موظفيها. وكان اول من تلقى مثل هذه الهدية اسيج هاشم العلوي، مدير الشرطة العام. زودون بالتفون على اساس انه ضروري لمهنته كمسؤول عن الشرطة. ثم راحت الشركة تعطي مكافأة 750 فلسا لكل من يأتيها بمشترك جديد. ويظهر ان ذلك ساعدها في تعميم التلفون عندما اطل عام 1930، كان هناك في بغداد، 1100 تلفون.

غير ان التطور الرهيب كان في ميدان المواصلات، حيث اخذت السيارات واللوريات والبواخر والماطورات تحل محل العرباين والحمير والجمال. والطريف في هذا الأمر ان اليهود الذين اتهروا اعتياديا بالحصافة واللوذعية التجارية، فشلوا في توقعاتهم هنا. اعتقدوا ان التجار سرعام ما سيعودون الى الإعتماد على الإبل في نقل بضائعهم. فراحوا يشترون الجمال من اصحابها على امل ان يعود الطلب عليها فيبيعونها بأسعار عالية ويحققون ارباحا جيدة لأنفسهم. بالطبع لم يتحقق ذلك، وبقيت الجمال عالة عليهم تقتضي منهم إطعامها وحراستها والسهر عليها فتحملوا خسائر كبيرة جريا وراء ذلك الوهم التجاري. ومن حينها شاع المثل العراقي بين الجمهور فقيل " امل اليهود بالأباعر". كناية عن الجري وراء اضغاث الأحلام.

لم يعد البعير فقط في ذمة التاريخ. بل اصبحت حتى البواخر النهرية، بل والسيارات نفسها في ذمة التاريخ بعد ان دخل النقل الجوي في البلاد. حقا قالوا وصدقوا فيما قالوا "العراق في انتقال". وكانت ايام الأنتقال ايام من ايام الخير.

على صلة

XS
SM
MD
LG