الملا عبود الكرخي من الشعراء العراقيين الشعبيين الذين لم يسبقه مثله سابق و لا لحق به لاحق. كان ممن يطلق عليهم اسم فلته في روعة هجائه و سخريته. ان كثيرا من الأمثال العراقية الشعبية ترجع في الواقع الى شيء من قصائده و اشعاره. كانت تتردد على السنة الناس كما تتردد اغاني سليمة مراد و زكية جورج و عفيفة اسكندرفي تلك الأيام من ايام الخير. كلمات مثل ساعة و اكسر المجرشة و مثل هم هاي دنيا و تنقضي و احساب اكو تاليها، و مثل لا تلقلق يحبسوك و يعلنون امك و ابوك. . هذه حكميات شعبية ترجع في الواقع الى ما كتبه عبود الكرخي و نجدها الآن في دواوينه.
اعتاد الكرخي على نشر قصائده في جريدته " الكرخ". و رغم كل شعبيتها فأن صحيفته هذه لم تكن لتغني او تسمن من جوع . فاعتمد في اعالة نفسه و اعالة عائلته على اجاويد الكرام من عشاق شعره ، او كما في اكثر الأحيان من يخافون لسانه و هجاءه. كان من هواة شعره حييم الصراف، تاجر يهودي انحدر من مدينة الناصرية و استقر في بغداد. اشتغل بالصرافة لحين من الزمن ثم فتح متجرا صغيرا له في الشورجة . دأب عبود الكرخي على زيارته في دكانه ، يتلاطف معه ، يتلو له شيئا من شعره، يروي له آخر ما سمعه من النكات. يقضي معه ساعة او ساعتين ثم يكافؤه حييم الصراف على زيارته و تعبه فيأمر الحمال في باب الدكان ، ان يحمل له ما تيسر، كيلوين تلاثة سكر ، نص كيلو شاي ، نص كيلو قهوة ، كم صابونة ابو الهيل . يملأ له الزمبيل و يأمر الحماال بأن يوصله مع الأستاذ الملا للعربانة الربل براس السوق.
مضى هذا التقليد لعدة سنوات ، و لكن يظهر ان الملمات قد المت بابو حسقيل ، حييم صراف، و اصبح الدخل شحيحا عليه، لا يسمح بالعطايا و الكرم. و هكذا فعندما زاره الكرخي في آخر الشهر، جلس الشاعر لساعات ، ساعة بعد ساعة حتى كاد يستنفذ كل ما عنده من شعر يرويه للتاجر اليهودي. و لم يحضر الزنبيل ولا الحمال. و اضطر الملا عبود الى مغادرة الدكان خالي الوفاض، لا يلوي على شيء. و كان قد نظم معيشته الشهرية على ما يجود به حييم صراف.
جلس في المقهى و راح يروي للناس ان قصيدته الجديدة ستكون في هجاء هذا الكلب حييم الصراف. بالطبع كان يأمل ان ينقلوا الخبر للتاجر فيرعوي و يعود الى سابق عهده و يبعث بالسكر و الشاي و الصابون للشاعر. و بالفعل نقلوا الخبر اليه فأجاب قائلا، " بقا خلي يقول ما يقول اللي يعجبو. يعني اشنو بقا ؟ آني مسؤول عن عيشتو؟" لم ينجح مخطط الكرخي . فانبرى بالفعل و نظم قصيدة هجائية فضيعة استهلها بقوله :
من الناصرية صراف هم سختجي و هم بلآّف
و لكنه تريث في نشرها. بدلا من ذلك نشر خبرا عنها. انتظروا في السبت القادم. القصيدة العصماء : "من الناصرية صراف". اكتفى الشاعر منها بهذه الكلمات الثلاث و ترك التاجر في تصوراته و توقعاته. فما ان قرأ ذلك حتى ثاب لرشده و قرر تفادي الشر و الهجاء. نادى على الحمال : " تعال يا ولد ! املي الزمبيل جاي و شكر و قهوة و كل شي كالعادة للجلبي عبود. و اركض ما تتأخر علينو."
جلس التاجر على احر من الجمر ينتظر صدور العدد القادم . فاذا بالقصيدة العصماء تظهر، و لكن ليس بكلمات:
من الناصرية صراف هم سختجي و هم بلاف
و انما بهذه الصيغة المعدلة :
من الناصرية صراف خوش آدمي و عنده انصاف
و تحولت القصيدة من الهجاء اللاذع الى مديح بديع ظل حييم ابو حسقيل يتغنى به طيلة حياته . و كلها بكيلوين شكر و نص كيلو شاي.
و عاد الملا عبود الى سابق عهده يزور الدكان في نهاية كل شهر . يروي لحييم الصراف ما طاب من شعره و ما سمعه من طرائف البلد و يعود الى بيته محملا بمونة ثلاثين يوما من أيام الخير.
اعتاد الكرخي على نشر قصائده في جريدته " الكرخ". و رغم كل شعبيتها فأن صحيفته هذه لم تكن لتغني او تسمن من جوع . فاعتمد في اعالة نفسه و اعالة عائلته على اجاويد الكرام من عشاق شعره ، او كما في اكثر الأحيان من يخافون لسانه و هجاءه. كان من هواة شعره حييم الصراف، تاجر يهودي انحدر من مدينة الناصرية و استقر في بغداد. اشتغل بالصرافة لحين من الزمن ثم فتح متجرا صغيرا له في الشورجة . دأب عبود الكرخي على زيارته في دكانه ، يتلاطف معه ، يتلو له شيئا من شعره، يروي له آخر ما سمعه من النكات. يقضي معه ساعة او ساعتين ثم يكافؤه حييم الصراف على زيارته و تعبه فيأمر الحمال في باب الدكان ، ان يحمل له ما تيسر، كيلوين تلاثة سكر ، نص كيلو شاي ، نص كيلو قهوة ، كم صابونة ابو الهيل . يملأ له الزمبيل و يأمر الحماال بأن يوصله مع الأستاذ الملا للعربانة الربل براس السوق.
مضى هذا التقليد لعدة سنوات ، و لكن يظهر ان الملمات قد المت بابو حسقيل ، حييم صراف، و اصبح الدخل شحيحا عليه، لا يسمح بالعطايا و الكرم. و هكذا فعندما زاره الكرخي في آخر الشهر، جلس الشاعر لساعات ، ساعة بعد ساعة حتى كاد يستنفذ كل ما عنده من شعر يرويه للتاجر اليهودي. و لم يحضر الزنبيل ولا الحمال. و اضطر الملا عبود الى مغادرة الدكان خالي الوفاض، لا يلوي على شيء. و كان قد نظم معيشته الشهرية على ما يجود به حييم صراف.
جلس في المقهى و راح يروي للناس ان قصيدته الجديدة ستكون في هجاء هذا الكلب حييم الصراف. بالطبع كان يأمل ان ينقلوا الخبر للتاجر فيرعوي و يعود الى سابق عهده و يبعث بالسكر و الشاي و الصابون للشاعر. و بالفعل نقلوا الخبر اليه فأجاب قائلا، " بقا خلي يقول ما يقول اللي يعجبو. يعني اشنو بقا ؟ آني مسؤول عن عيشتو؟" لم ينجح مخطط الكرخي . فانبرى بالفعل و نظم قصيدة هجائية فضيعة استهلها بقوله :
من الناصرية صراف هم سختجي و هم بلآّف
و لكنه تريث في نشرها. بدلا من ذلك نشر خبرا عنها. انتظروا في السبت القادم. القصيدة العصماء : "من الناصرية صراف". اكتفى الشاعر منها بهذه الكلمات الثلاث و ترك التاجر في تصوراته و توقعاته. فما ان قرأ ذلك حتى ثاب لرشده و قرر تفادي الشر و الهجاء. نادى على الحمال : " تعال يا ولد ! املي الزمبيل جاي و شكر و قهوة و كل شي كالعادة للجلبي عبود. و اركض ما تتأخر علينو."
جلس التاجر على احر من الجمر ينتظر صدور العدد القادم . فاذا بالقصيدة العصماء تظهر، و لكن ليس بكلمات:
من الناصرية صراف هم سختجي و هم بلاف
و انما بهذه الصيغة المعدلة :
من الناصرية صراف خوش آدمي و عنده انصاف
و تحولت القصيدة من الهجاء اللاذع الى مديح بديع ظل حييم ابو حسقيل يتغنى به طيلة حياته . و كلها بكيلوين شكر و نص كيلو شاي.
و عاد الملا عبود الى سابق عهده يزور الدكان في نهاية كل شهر . يروي لحييم الصراف ما طاب من شعره و ما سمعه من طرائف البلد و يعود الى بيته محملا بمونة ثلاثين يوما من أيام الخير.