سيداتي وسادتي..
في نحو منتصف الثمانينات، عندما كان العراق يواجه آفاق هزيمة كاملة أمام إيران، أعلن في بغداد أن وزير الصحة آنذاك رياض إبراهيم توفي أو قتل أو أعدم. وعلى رغم أن اي رواية رسمية لم توضح السبب الحقيقي، لكن الرواية الشائعة حتى الآن بين العراقيين أفادت بأن الوزير حسم مصيره بنفسه حين اقترح في اجتماع للقيادة العراقية أن يتنحى صدام عن الحكم، ولو شكليا، كي يمهد الطريق أمام اعلان ايراني بقبول وقف النار.
وقبل نحو شهر تناقلت وسائل اعلام عربية وغربية أن الرئيس العراقي غضب من وزير الخارجية القطري الزائر حمد بين جاسم إثر اقتراح الأخير بأن يتنحى صدام عن الحكم في مقابل تعهد عربي بتوفير ملاذ آمن له ولعائلته.
تُساق هاتان القصتان كدليل يؤكده كثيرون على أن شخصية صدام حسين وطبيعته لا تترك اي مجال لحل يقوم على اساس تخليه عن الحكم طوعا. وهناك قصة ثالثة رواها رئيس الوزراء الروسي السابق يفغيني بريماكوف في مذكراته عن لقاءه صدام خلال الحرب الجوية على العراق في مطلع عام 1991. بريماكوف، الذي يعرف صدام شخصيا منذ عام 1979، زار بغداد مبعوثا شخصيا عن الرئيس السوفييتي السابق ميخائيل غورباتشوف لاقناعه بالأنسحاب من الكويت. ولاحقا كتب في مذكراته أن صدام قال له اثناء استقباله في مكان ما من بغداد إنه لن يستسلم حتى اذا وصل جنود أميركيون الى مكان الاجتماع. واعتبر بريماكوف أن صدام ربما كان مصابا بما وصفه بعقدة الماسادا، إشارة الى التسمية العبرية للقلعة الكائنة قرب البحر الميت واعتصم فيها نحو ألف من المحاربين اليهود وافراد عائلاتهم، وواجهوا حصارا فرضه عليهم الجيش الروماني في القرن الأول بعد الميلاد، واستمر ثلاث سنوات. وحين افلح الرومان أخيرا في كسر شوطة المقاومين المحاصرين بقيادة زعيمهم أليعازر أقدموا على الأنتحار الجماعي مفضلين ذلك على الاستسلام. بريماكوف افترض أن صدام ايضا يفضل الانتحار على الاستسلام.
والحق أنه حتى الداعين العرب الى تنحي صدام عن الحكم لا يصدقون أنه سيفعل. البروفيسور اللبناني شبلي ملاط، وهو أحد المثقفين الذين أعلنوا المبادرة الى تنحي صدام عن الحكم في مقابل منع الحرب ضد العراق، قال إن هدف المبادرة يكمن في حلق جو عام يجبر القيادة العراقية الى سلوك هذا الطريق الحضاري، على حد تعبيره. لكنه استدرك، ردا على سؤال وجهه اليه مراسل اذاعة العراق الحر في بيروت علي الرماحي:
(تقرير بيروت)
--- فاصل ---
وكالة الصحافة الألمانية بثت تقريرا من بغداد لاحظت فيه أن من الصعب العثور على عراقي يصدق أن صدام يمكن أن يستمع الى اي نصيحة من شأنها أن تجنب شعبه حربا جديدة. كذلك يستبعد أعضاء في حزب البعث الحاكم نفي صدام الى خارج العراق نظرا الى أنهم ربطوا مصيرهم به، بحسب الوكالة الألمانية.
لكن قياديا بعثيا عراقيا سابقا عرف صدام شخصيا، هو الشخصية المعارضة السفير السابق صفاء الفلكي، يرى أنه، على عكس ما هو شائع، فان الرئيس العراقي لا يتميز بالشجاعة المبدئية، ويمكنه أن يتراجع بسهولة تحت الضغط، كما أوضح خلال مقابلة أجراها معه فوزي عبد الامير:
(مقابلة صفاء الفلكي)
معارض آخر تحدث اليه فوزي عبد الأمير، هو حسان عاكف عضو لجنة العلاقات الخارجية التابعة للحزب الشيوعي العراقي، لا يتفق مع القائلين بامكان موافقة صدام على التخلي عن الحكم:
(مقابلة حسان عاكف)
--- فاصل ---
أخيرا، سيداتي وسادتي، سألت اعلاميا عراقيا سابقا عمل مع كبار المسؤولين ويعرف طباعهم "من الداخل" كما يقال إن صح التعبير... سألت عباس الجنابي هل يعتقد أن صدام يمكن أن يوافق على التخلي عن الحكم، فقال:
(مقابلة عباس الجنابي)