روابط للدخول

خبر عاجل

الملف الثاني: بريطانيا تضغط على روسيا وإيران لقبول موقف أكثر تشددا إزاء العراق


(ناظم ياسين) يعرض فيما يلي لتحليل أعده قسم الأخبار والتحليلات في إذاعة أوروبا الحرة، يتناول الجهود البريطانية التي تبذل للضغط على روسيا وإيران من أجل قبول موقف أكثر تشدداً إزاء العراق عبر الزيارتين اللتين قاما بهما أخيراً رئيس الوزراء البريطاني ووزير خارجيته إلى كل من موسكو وطهران.

قام رئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) بزيارة إلى روسيا فيما زار وزير الخارجية البريطاني (جاك سترو) إيران أخيرا ضمن جهودٍ دبلوماسية تبذلها لندن لحث موسكو وطهران على قبول موقف أكثر تشددا إزاء بغداد.
التحليل الذي أعده مراسل إذاعة أوربا الحرة / إذاعة الحرية (تشارلز ريكناغل) عن هذه المساعي الدبلوماسية البريطانية يستهل بالإشارة إلى أنها تُبذل في إطار محاولات كسب تأييدٍ دولي لإصدار قرار جديد عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يطالب العراق بنزع الأسلحة المحظورة أو مواجهة استخدام القوة.
وإثر يومين من المحادثات التي أجراها مع الرئيس الروسي (فلاديمير بوتن) خارج موسكو، صرّح رئيس الوزراء البريطاني (بلير) أمس بأنه جاء ليُصغي إلى مشاعر القلق الروسية إزاء احتمالات تنفيذ عمل عسكري بقيادة الولايات المتحدة ضد العراق.
لكنه أوضح أنه في الوقت الذي أصغى إلى موقف موسكو، كان يأمل بسماع ما يشير إلى تغيير في الموقف الروسي الذي ينظر منذ فترة طويلة إلى الرئيس العراقي صدام حسين باعتباره حليفا إقليميا.
(بلير) ذكر في المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده مع (بوتن) أنه لا يعتبر العمل العسكري ضد العراق أمرا محتوما. لكنه أكد ضرورة نزع أسلحة العراق المحظورة، مشيرا إلى أن أفضل وسيلة لضمان هذا الأمر تتم من خلال تبني مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة سياسات أكثر تشددا فيما يتعلق بنظام المراقبة والتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل.

بلير:
"النزاع ليس محتوما، لكن نزع جميع أسلحة الدمار الشامل العراقية أمر محتوم. ومن الواضح أن هذا الأمر يُفضّل أن يتم عبر مفتشي الأمم المتحدة ونظام المراقبة إذا أدى عمله هناك بشكل ملائم من أجل منع أي إمكانية لتطوير هذه الأسلحة".

وفي ردّه على تصريح رئيس الوزراء البريطاني، أعرب الرئيس الروسي عن اعتقاده بأن بغداد أحرزت بعض التقدم في التعاون مع المجتمع الدولي بموافقتها على عودة مفتشي الأسلحة الدوليين. لكنه أشار إلى عدم استبعاده صدور قرار جديد عن مجلس الأمن يأخذ بنظر الاعتبار ما وصفها بالتجربة السلبية التي واجهت الأمم المتحدة مع العراق في السابق بشأن عمليات التفتيش عن الأسلحة.

بوتن:
"نحن نتفق مع شركائنا، كما أتفق مع زميلي رئيس الوزراء البريطاني توني بلير على ضرورة أن نأخذ بنظر الاعتبار التجربة السلبية التي واجهت المجتمع الدولي مع العراق في شأن مفتشي الأسلحة الدوليين. وفي هذا الخصوص، لا نستبعد إمكانية التوصل إلى صيغة مُنسّقة تصدر بشكل قرار عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة".

--- فاصل ---

التحليل الذي أعده مراسل إذاعة أوربا الحرة / إذاعة الحرية يضيف أن ملاحظة (بوتن) بدت وكأنها تشير إلى احتمال تأييد موسكو سياسة دولية أكثر تشددا، وعلى النحو الذي تطالب به واشنطن ولندن، فيما يتعلق بعمليات التفتيش الدولية عن الأسلحة المحظورة.
لكن تصريحات الرئيس الروسي تركت الباب مفتوحا أمام التساؤلات في شأن ما إذا ستوافق موسكو على قرار جديد عن مجلس الأمن يتضمن التهديد باستخدام القوة ضد العراق.
يذكر، في هذا الصدد، أن الولايات المتحدة وبريطانيا تقومان بتوزيع مسودة قرار على أعضاء مجلس الأمن يطالب العراق بنزع الأسلحة في وقت سريع مع احتفاظ المجتمع الدولي بحق استخدام القوة في حال عدم إذعان بغداد.
لكن مسؤولين روس أدلوا في الآونة الأخيرة بتصريحات تشير إلى تأييدهم بديلا فرنسيا يترك أي نصٍ على استخدامِ القوة إلى قرار ثانٍ في حال عدم قبول العراق بالتعليمات الدولية المتشددة حول عمليات التفتيش التي يُصدرها مجلس الأمن.
محللون ذكروا أن القضية الرئيسية التي ستحدد مدى تعاون موسكو مع مطالب واشنطن ولندن من العراق تتعلق بمسألة ما سوف تحصل عليه موسكو في المقابل. يشار، في هذا الصدد، إلى أن روسيا، شأنها شأن الدول الأخرى ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن، تتمتع بحق النقض، أو الفيتو، على أي قرار جديد يُصدره المجلس.
المحللة (دافني تر-ساكاريان)، خبيرة الشؤون الروسية بوحدة (الإيكونومست) للمعلومات في لندن، ذكرت أن (بوتن) يحتاج إلى كسب تنازلات مهمة من واشنطن مقابل تغيير موقف موسكو كي تتمكن من تبرير أي تحوّل في السياسية أمام الشعب الروسي.

تر- ساكاريان:
"المشكلة الرئيسية التي تواجه روسيا هي كيفية التوفيق بين المفاهيم القديمة للمصلحة القومية والنهج الجديد المؤيد للغرب لزملاء بوش. ولكن بالطبع ينبغي عليهم أن يفعلوا ذلك من موقع ضعف لأن روسيا، في نهاية المطاف، لا تمتلك نفس النفوذ السابق. لذلك فإن استراتيجيتهم فيما يتعلق بالعراق تقوم على محاولة أيجاد وسيلة لإنقاذ ماء الوجه إذا مضت الولايات المتحدة قُدُماً نحو غزو العراق".

--- فاصل ---

التحليل يمضي إلى القول إن الروس اعتادوا من الناحية التاريخية على اعتبار العراق حليفا مهما في منطقة الشرق الأوسط. وتعزى تلك النظرة جزئيا إلى العلاقات الجيدة التي كانت تربط البلدين إثناء العهد السوفياتي حينما أبرمت موسكو صفقات تسليحية ضخمة مع بغداد. واستمرت العلاقات الثنائية الجيدة بعد الحرب الباردة بحيث أن روسيا في الوقت الحالي هي من أبرز شركاء العراق التجاريين في برنامج (النفط مقابل الغذاء) الذي تشرف عليه الأمم المتحدة.
وفي خطوة تشير إلى عمق الروابط الاقتصادية بين البلدين، أعلنت بغداد الشهر الماضي أن شركات روسية فازت بعقود تبلغ قيمتها الإجمالية أربعين مليار دولار لتنفيذ مشاريع طويلة الأمد في قطاع النفط، إضافة إلى البنى التحتية. ومن جهتها، تعوّل موسكو على مثل هذه الصفقات التجارية من أجل استعادة ديونها المستحقة على بغداد من المبيعات العسكرية التي تمّت أثناء العهد السوفياتي السابق وتقدّر بنحو ثمانية مليارات دولار.
المحللة (تر-ساكاريان) تشير إلى توقعات عدة مراقبين بأن تُصرّ موسكو على أن أي موقف روسي أكثر تشددا إزاء بغداد ينبغي ألا يتخذ إلا بعد الحصول على ضمانات من الولايات المتحدة بأن النظام الجديد في العراق سيوفي بالتزاماته في صفقات النفط الحالية بين العراق وروسيا.

تر-ساكاريان:
"هذا هو المجال الذي يمتلكون فيه أكبر الفرص لتحقيق شيء ما، ذلك أن بوتن سيتمكن من القول لشعبه: إن هذا الأمر صحيح لأننا استطعنا ضمان مصالحنا الاقتصادية. وهذا هو المجال الوحيد الذي يمكن أن تقوم فيه الولايات المتحدة ببعض التنازلات".

--- فاصل ---

حتى الآن، لم تبرز أي إشارة علنية من (بلير) أو (بوتن) إلى أن محادثاتهما تطرقت إلى موضوع النفط. وقبل وصوله إلى موسكو، صرح (بلير) لهيئة الإذاعة البريطانية بأنه يعترض على ما يتردد في وسائل الإعلام بشأن حصول روسيا على "ثمنٍ" مقابل تعاونها. ونقل عنه قوله، في هذا الصدد: "من الواضح أن ثمة مصالح لروسيا في القضية العراقية، لكني لا أعتقد أنها مسألة تتعلق بتحديد الثمن"، على حد تعبيره.
يذكر أن (بلير) بدأ زيارته إلى موسكو بعد يوم واحد من الزيارة التي قام بها وزير الخارجية البريطاني (جاك سترو) إلى إيران يوم الأربعاء الماضي. وفي طهران، بدا أن الحملة الدبلوماسية البريطانية تستهدف إعادة طمأنة كبار المسؤولين الإيرانيين بأن عملا عسكريا محتملا ضد بغداد لن يؤدي إلى هجوم بقيادة الولايات المتحدة ضد إيران.
(سترو) أبلغ وزير الخارجية الإيراني كمال خرازي بأن "التهديد الذي يمثله العراق فريد من نوعه، ذلك أن العراق لا يرتبط مع دول أخرى في هذا التهديد"، بحسب تعبيره. وقد بدا أن هذه الملاحظة استهدفت تبديد مشاعر القلق في طهران بأن واشنطن، التي ذكرت أن إيران والعراق وكوريا الشمالية تشكل ما وصفته ب"محور الشر"، قد تسعى نحو استهداف إيران أيضا في حرب متوسعة ضد الإرهاب.
لكن المسؤولين الإيرانيين لم يدلوا بالكثير من التصريحات التي يمكن أن تشير إلى مدى النجاح الذي حققه وزير الخارجية البريطاني. ولم يقل نظيره الإيراني خرازي سوى أن بلاده ضد الحرب، مضيفا: "نحن نعتقد أن المشاكل يمكن أن تُحل عبر القنوات الدبلوماسية ومن خلال الأمم المتحدة"، بحسب تعبيره.
لكن الجيش الإيراني أعلن في أعقاب زيارة (سترو) أمس الأول أنه سيغلق حدود البلاد، مشيرا إلى أنه لن يقف إلى جانب أيٍ من الطرفين في حال تعرض دولة العراق المجاورة إلى هجوم بقيادة الولايات المتحدة.
وختم التحليل الذي أعده مراسل إذاعة أوربا الحرة / إذاعة الحرية بالإشارة إلى أن طهران، التي لا ترتبط بعلاقات دبلوماسية مع بغداد منذ انتهاء حرب السنوات الثماني في عام 1988 أو مع واشنطن منذ الثورة الإسلامية في عام 1979، أعلنت سابقا أنها تنتهج ما وصفتها بسياسة "الحياد الفاعل" تجاه الأزمة العراقية.

على صلة

XS
SM
MD
LG